تسميم الكتابة

تسميم الكتابة

14 اغسطس 2019
لازلو موهولي ناجي/ هنغاريا
+ الخط -
ربما أتاح مفهوم "التناص" الذي أطلقته جوليا كريستيفا في ستينيات القرن الماضي أن نخفّف من قطعية القول بـ"السرقات الأدبية"، وهو الاسم الشائع قبل انتشار المفهوم العلمي، فلم تعد استعارة أي فكرة أو جملة بالضرورة "سرقة"، ففي النهاية يبدو فعل الكتابة مثل إعادة إنتاج، أكثر منه إنتاجاً. لكن يبقى أن هناك حدوداً للتناص، إذا جرى تخطّيها فقد عدنا إلى خانة "السرقة الأدبية".

فإذا فكّرنا ملياً في معنى الكتابة الإبداعية، سنجد أنها بالضرورة محاولة لاجتراح خطّ جديد في تناول مسألة ما، وفي حال استعمل المؤلف مواد من غيره فإنّ عليه أن يركّبها بطريقة مختلفة، فإذا غابت هذه النزعة التجديدية تماماً سقط البُعد الإبداعي بالضرورة. إذاً، فإن فكرة "السرقة الأدبية" كانت ولا تزال ضمانة لتطوّر الأدب.

يختلف الأمر في العلوم بعض الشيء، حيث إنها تأسّست على فرضية إضافة شيء ما لكل ما سبق إنتاجه، سواء بابتكار منهجية جديدة، أو طرح إشكالية طريفة، أو استعمال هذا وذاك على مادة درس مختلفة. هنا لم يكن ممكناً إسقاط مفهوم "التناص" كما هو، لذلك جرى ضبطه من خلال نظام الإحالات وغيره، بحيث يعرف القارئ ما وضعه المؤلف وما استعاره من غيره، وهو ما بات متعارفاً على تسميته بـ"أخلاقيات الباحث".

شيء من ذلك ينبغي أن يتوفّر في جميع المجالات الإبداعية، ففي النهاية لا تضرب "السرقات" تطوّر الإبداع فحسب، بل المناخ العام فتسمّمه.

المساهمون