جوائز الرواية في الجزائر: أزمة تمويل

جوائز الرواية في الجزائر: أزمة تمويل

13 يوليو 2019
قادر عطية/ الجزائر
+ الخط -

في نيسان/ إبريل 2018، أعلنت "دار الجزائر تقرأ" إطلاق جائزةٍ أدبية خاصّة بالرواية غير المنشورة ومخصّصة للكتّاب الجزائريين باللغة العربية، بهدف "دعم الإنتاج الأدبي الجزائري، وإبراز المحتوى الإبداعي للكتّاب الجزائريّين وإيصاله إلى القارئ العربي".

وعلى خلاف معظم الجوائز الأدبية في الجزائر، التي تقف غالباً عند توزيع مبالغ ماليةٍ على الفائزين، من دون أن تستكمل ذلك بالتسويق للأعمال الفائزة أو ترجمتها إلى لغات أُخرى.. إلخ؛ حدّد القائمون على "جائزة الجزائر تقرأ للإبداع الروائي" سقفاً مرتفعاً لها؛ إذ أعلنوا أنَّ الفائز سيحظى، إضافةً إلى القيمة المادية التي تُقارب خمسة آلاف دولار أميركي، بترجمة روايته إلى اللغتَين الفرنسية والإنكليزية، وتحويلها إلى عملٍ مسرحي، وإصدارها في طبعةٍ جزائرية عن منشورات "الجزائر تقرأ"، وأُخرى عربية بالاشتراك مع "منشورات المتوسّط".

وكان لافتاً إعلانُ القائمين على الجائزة تمسُّكهم بتمويلها ذاتياً، أي بعائدات دار النشر التي أطلقتها، وعدم اللجوء إلى تمويلها من أيّ جهةٍ حكومية أو غير حكومية، وذلك "حفاظاً على استقلاليتها"، وفق تعبيرهم.

استقبَلت الجائزةُ في دورتها الأولى قرابة ثلاثمئة مشاركة، وهو رقمٌ كبير بالنسبة إلى جائزة جديدة، ولعلّه يعكس الاهتمام الذي لقيته في المشهد الثقافي الذي ربما وجد فيها بديلاً محتملاً للجوائز الأدبية التابعة لمؤسّسات رسمية، والتي يُعاني كثيرٌ منها من اختلالات عديدة، وكثيراً ما كانت مصداقيتها محلّ تشكيك.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، أُعلن فوز رواية "كولاج" لأحمد عبد الكريم بالجائزة في دورتها الأولى التي ضمّت قائمتها القصيرة أربع رواياتٍ أُخرى؛ هي: "وادي الجنّ" لمبروك دريدي، و"أوركسترا الموت" لآسيا رحاحلية، و"حرب القبور" لمحمد ساري، و"هالوسين" لإسماعيل مهنانة. وقد ضمّت لجنة تحكيمها كلّاً من الكتّاب والأكاديميّين الجزائريّين سعيد بوطاجين، وجميلة زقاي، ومحمد لمين بحري، إضافةً إلى الروائي العراقي برهان شاوي، والقاصّ المغربي أنيس الرافعي.

بدا أنَّ "دار الجزائر تقرأ" نجحت في كسب رهانها الأوّل، والمتمثل في إطلاق جائزة مختلفة عن السائد وتحظى باهتمامٍ في المشهد السردي، لولا أن أعلن الكاتب أحمد عبد الكريم مؤخّراً، على صفحته في فيسبوك، أنَّ القائمين عليها لم يفوا بأيّ من التزاماتهم التي تعهّدوا بها؛ والمتمثّلة في المبلغ المالي، ومسرحة الرواية، وإصدارها في طبعة عربية.

وبناءً على تلك التصريحات، ردّت الدار ببيانٍ ذكرت فيه بأنَّ عدم تسلّمها تمويلاً من وزارة الثقافة أدّى إلى تأخُّر تنفيذ التزامها مع الفائز في الدورة الأولى، موضّحةً بأن وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، عرض عليها قبل مغادرته منصبه تمويل الجائزة، فوافقت بعد إصرار الوزير، حرصاً منها على أن تعتمد على تمويل ذاتي، وفق البيان. وذكرت الدار بأنّ ذلك تسبّب أيضاً في تأجيل إطلاق الدورة الثانية من الجائزة، الذي كان مفترَضاً إعلانه مطلع السنة الجارية.

مُعلّقاً على البيان، قال مبروك دريري أحد الكتّاب الذين وصلت أعمالهم إلى القائمة القصيرة، في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، بأنّ الدار ناقضت نفسها حين أرجعت عدم وفائها بالتزاماتها إلى تأخُّر تمويلها من وزارة الثقافة، بعد أن كانت تعلن رفضها أيّ تمويلٍ خارجي بدعوى الحفاظ على استقلاليتها، مُعتبراً عدم التزامها بمثابة "اعتداء على القانون والتزاماته وإساءة إلى الثقافة يستلزمان اللجوء إلى العدالة".

من جهته، يقول أحمد عبد الكريم لـ"العربي الجديد": "بغضّ النظر عن الأسباب التي ذكرتها الدار في بيانها من دون أن تُكلّف نفسها عناء الاتصال بي بوصفي المعنيّ الأول بالموضوع، ما زلت حتّى اللحظة أنتظر أن تفي بالتزاماتها التي تعهّدت بها، مع العلم أنَّ ما يربطني بالجائزة هو التزامٌ معنوي؛ إذ لا أملك أيّ عقد قانوني يحفظ حقوقي".

وبينما لا تزال مستحقات الفائز عالقةً، أعلنت الدار قبل أيّام نتائج الدورة الأولى من جائزةٍ ثانية أطلقتها نهاية العام الماضي باسم "جائزة الجزائر تقرأ للروائيين الشباب"، وهي موجهة للكتاب الذين تقلّ أعمارهم عن خمسة وعشرين عاماً، وقد عادت إلى ناجي أمين بن باطة عن روايته التي تحمل عنوان "الأوفردايف". وكما في الجائزة الأولى، أعلنت الدار أنَّ الفائز سيحصل على مبلغٍ يقارب خمسة آلاف دولار، وتُترجم روايته إلى الفرنسية والإنكليزية، وتُحوّل إلى عمل مسرحي، وتُنشر في طبعة عربية. فهل بإمكان الدار الوفاء بتعهداتها تلك؟

يقول مدير "الجزائر تقرأ" قادة الزاوي لـ"العربي الجديد"، إنَّ الدار لم تتنصّل من مسؤولياتها تجاه الفائزين، وإنّ تسليمهم مستحقاتهم هي مسألة وقت فقط، معتبراً ما حدث مجرّد "مشكلة تقنية بحتة".

يتحدث الزاوي أيضاً، عن العقبات التي واجهتها الجائزة، قائلاً إنها فضّلت في البداية أن تُموَّل ذاتياً، لكن بسبب إكراهات مادية مرتبطةٍ بانخفاض مبيعات معرض الكتاب في دورته الماضية (يُشير هنا إلى أنَّ الدار وجدت نفسها في جناح صغير ومنعزل في المعرض)، قرّرت القبول بتمويل وزارة الثقافة.

هنا، يُشير الزاوي إلى أنّ "الجزائر تقرأ" هي الدار الوحيدة في الجزائر التي تنشر على نفقتها الخاصة، دون اعتماد على دعمٍ رسمي أو باللجوء إلى الكتّاب أنفسهم، مضيفاً أنّها تراهن على استمرار الجائزة التي "حرّكت الرائد في المشهد الثقافي الجزائري، بدليل أنّ التجربة شجّعت على إطلاق جوائز مماثلة"، وفق تعبيره.

ويبدو أن مشكلة التمويل لا تواجه "جائزة الجزائر تقرأ للإبداع الروائي" وحدها؛ فقبل أيام وجّهت جمعية "نوافذ ثقافية" التي تُنظّم "جائزة الطاهر وطّار للرواية"، طلباً إلى وزيرة الثقافة مريم مرداسي للتدخُّل لدى "الديوان الوطني لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة"، وهي هيئة تابعة لوزارة الثقافة، من أجل مواصلة تمويل الجائزة.

وبحسب رئيس الجمعية رياض وطّار، فإنّ مدير الديوان سامي بن شيخ رفض الاستمرار في تمويل الجائزة، بدعوى أنَّ التزامه كان متعلّقاً بدورتها الأولى (2017) فقط، و"وهو ما جعلنا غير قادرين على الوفاء بالتزاماتنا أمام الفائزين في الدورة الثانية التي أُعلنت نتائجها بداية العام الجاري، وكذلك أمام أعضاء لجنة تحكيمها، وهو ما جعلنا أيضاً نُحجم عن إطلاق الدورة الثالثة" كما يقول لـ"العربي الجديد".

تضعنا عقبة تمويل جوائز تطلقها مؤسّسات وجمعيات ثقافية مستقلّة في الجزائر أمام حقيقتَين؛ تتمثّل الأولى في عجز تلك الهيئات عن تغطية تكاليف ما تُطلقه من جوائز بسبب غياب الربحية عن نشاطاتها، وهو يدفعها في النهاية إلى طلب التمويل من وزارة الثقافة أو المؤسّسات التابعة لها. وتتمثّل الحقيقة الثانية في إحجام المؤسّسات الاقتصادية عن الاستثمار الثقافي ودعم المبادرات الثقافية، وخصوصاً المستقلّة منها.

عن هذه العقبة، يقول الأكاديمي عابد لزرق في حديث إلى "العربي الجديد": "من خلال بعض التجارب التي رأيناها في الفترة الأخيرة، يتبيّن أنَّ المبادرات العمومية، ورغم ما يقال عنها، أكثر التزاماً ومسؤولية من المبادرات المستقلّة، إلى أن تتغيّر الأوضاع ويتحمّل القطاع الخاص كافة مسؤولياته ويأخذ خطوات جدّية نحو الأمام".

ويضيف: "من الأفضل للمؤسّسات الثقافية ودور النشر الحديثة أن لا تعلن عن أي فعالية أو جائزة بقيمة مالية، إلّا عندما تكون على يقين تام من قدرتها على الالتزام بتعهّداتها دون تأخير"، مختتماً بالقول: "الأمور لا تسير بهذا الشكل، والفعل الثقافي لا تفيده كثرة الاستعراض وتكثيف الجوائز بلا التزام، مع أنني لا أشكّك في نوايا القائمين على هذه الأنشطة والجوائز".

المساهمون