خشبة إنقاذ

خشبة إنقاذ

21 مايو 2019
رمسيس يونان/ مصر
+ الخط -

هذه البرودة الأوروبية ليست سوى ثقافة الفراغ الروحي والعاطفي، ثقافة الاستياء من مؤقت العلاقات المحبِطة. ألاحظها في الفضاء العام، أما الخاص، فلا أعرفه. لكن من يعرفه يقول إن البرودة هي ذاتها في العام والخاص: برودة التشبع. برودة اللاحاجة!

كلما رأيتها، أو تعاملت معها، حننتُ إلى تقاليد وثقافة الفلاحين. وساورني الإحساس، أنه التقدم إلى الخلف. تقدمٌ عقيدته هي: انتهى التكافل، ويجب أن يموت شيء ما، لكي نتمكن من المضي قدماً.

لكنها أشياء تموت وليست شيئاً: كل الأشياء، ما عدا العبودية للعمل، والانغماس في ثقافة المال، لتوفير الرفاهيات.

اشترى الغرب رفاهه المادي على حساب شعوب أخرى، وعلى حساب سويّة مواطنه. هذه الفردانية القاتلة، هذا الاعتداء العقلي على سنن النظام الطبيعي، يترك دمغته على سطح الروح وعمقها.

وما إن تظفر الواحدة منهنّ، مثلاً، بغريب جاء من فضاء مغاير، حتى تتشبث به، إما كتجربة فريدة عابرة، أو كخشبة إنقاذ. تريد أن تُجرّب ما لا تعرف، لعلها تنجو من خواء ما تعرف. لعلها تجد عند الغريب، ما تفتقده عند مواطنيها: ذلك "الشيء الآخر" الذي قد يكون موجوداً.
لا يزال الغريب، في وعيهم ولاوعيهم، ذاك "المتوحش النبيل". الغريب الذي ربما يسفر عن كنز مفاجآت.

النظرة الفوقية ذاتها، حتى في علاقة شخصية تسعى إلى جوهرٍ لا عَرَض: الحب!


* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة

المساهمون