فن العرائس في المغرب: خيوط خارج الدوائر الضيقة

فن العرائس في المغرب: خيوط خارج الدوائر الضيقة

02 مايو 2019
من عرض عرائسي أقيم في طنجة
+ الخط -

يشترك الفنانان المغربيان رشيد أمحجور وعبد السلام بوخيمة في الرهان على مسرح العرائس كخيار فنّي وجمالي يرسم ضمنه كل منهما مساره الخاص، ورغم بُعد المسافة بينهما، حيث يقيم الأول في طنجة، أقصى شمال المغرب، والثاني بمراكش في جنوبه، فهما يشتغلان معاً على أكثر من مشروع بهدف أن يستعيد فن العرائس المغربي بريقه الذي افتقده بالتدريج منذ ثمانينيات القرن الماضي. يأمل المسرحيّان المغربيان أن يؤسّسا عدداً من الأندية المتخصصة في مسرح العرائس على أمل أن تُبعث لاحقاً فيدرالية لممارسي هذا الفن.

يأتي هذا الطموح في وقت يشهد فيه المغرب حركة دؤوبا في مأسسة المشهد المسرحي، غير أن مسرح العرائس بالذات، وأشكال فرجة أخرى، تظلّ بمنأى عن كل تصوّر مستقبلي، كما أنه لا يبدو ضمن اهتمامات المؤسسات الثقافية الراعية للمسرح، ومنها وزارة الثقافة، وكأن مسرح العرائس ليس جزءاً لا يتجزّأ من الفن الرابع.

عوامل كثيرة تفسّر ضمور الاهتمام بفن العرائس، لعلّ أبرزها أنه أمسى رديفاً لمسرح الطفل، وبالتالي فهو مقصيّ من المجال الثقافي بالمعنى الذي يجري تداوله في وسائل الإعلام والدوائر الثقافية الضيقة، والحال أن لمسرح العرائس جمهوره الذي لا يزال يذكر ما أنجز في المغرب خصوصاً في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي. كما ظهرت في السنوات الأخيرة إشكالية جديدة بارتفاع تكلفته الإنتاجية خصوصاً أن انتظارات الأطفال باتت أعلى بسبب تطوّر تكنولوجيات الترفيه.

ضمن لقاء جمع بين أمحجور وبوخيمة، في مراكش مؤخراً، تحدّث المسرحيّان عن واقع مسرح الدمى المغربي ومساراته المتشعّبة. يتذكّر بوخيمة، وهو رئيس "فرقة العرائس للتربية والتسلية" في مراكش، انخراطه في حركة مسرح الهواة مبكراً، واستفادته من تدريبات وورش في مخيّمات الرحلات. يرى المسرحي المغربي أن بلاده حينها كانت تعرف حركة جمعوية في أوج عطائها، وضمنها تنقل بين العديد من الجمعيات مثل "الشعلة" و"تربية الشبيبة" وغيرها، صقلت كل واحدة منها مهارات معيّنة لديه، ومنها الاهتمام بمسرح العرائس.

يميّز بوخيمة بين أنماط عديدة في مسرح الدمى، وهو تقسيم يقوم على كيفية تحريكها، إذ توجد الدمى القفازية واليدوية والخيطية، وهناك أيضاً ما بات يُعرف في التجارب الحديثة بـ"أنسنة الدمى". يردّ بوخيمة اختياره لهذا الشكل المسرحي إلى رغبته في الاشتغال في إطار مسرح الطفل، وضمنه تمثّل العرائس أداة فنية وتعلمية ناجعة.

في كلمته، انطلق أمحجور من تعبير عن شعورٍ راوَده مند سنوات بأن "مسرح الكراكيز"، كما يسميه بعض المغاربة، قد أخذ في التراجع ولم يستطع أن يرسّخ تقاليد ممارسته في مختلف أنحاء المغرب. هنا، فكّر في البحث عن حلول لهذه الوضعية وتجاوزها، وقد بدأ هذا الجهد مع "جمعية طنجة بوابة أفريقيا" وفرقة "الفرجة الممكنة".

يشير أمحجور أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه كانت التفكير في تنظيم "مهرجان دمى طنجة لفنون العرائس والأدائيات"، ثم حاول عقد شراكة مع "الهيئة العربية للمسرح" للتعريف بوضعية فنون الدمى. بعدها انتبه إلى ضرورة التنسيق مع الفرق المغربية التي تشترك في نفس الهموم.

بحسب أمحجور، فإنه من المنتظر أن يتم إطلاق مهرجانين يختصّان في هذا الفن، على أساس أن يتم تنظيمهما بشكل تنسيقي وتشاركي بين عدد من الجهات، لكن الفكرة الأهم اليوم، وفق الفنان المغربي، هي رغبة المنشغلين بهذا المجال الانخراط في تأسيس أندية ينخرط فيها ممارسو ومحبّو فن العرائس.

يأمل أمحجور أن هذه الشبكة من الأندية ستلقى صدى لدى محبّي الفنون الأدائية، خصوصاً أن فن العرائس مجال يشمل الكثير من الأشكال التعبيرية. عند هذه النقطة، يشير بوخيمة إلى أن الفكرة بدأت تتحقق على أرض الواقع، إذ تأسس في مراكش خلال السنة الجارية "نادي أصدقاء ممارسي مسرح العرائس" والذي وضع مسيّروه ومنخرطوه من بين أهدافه "توحيد الكفاءات في مجال فن العرائس بالمغرب، وتكوين إطار وطني يوحّد جل هذه الأندية".

تحدّث بوخيمة أيضاً عن طموح آخر، يتمثّل في إنشاء متاحف وطنية لفن العرائس في سبيل حفظ وصيانة الذاكرة الفنية، وهي رغبة أكّد أمحجور على ضرورة البدء في تمهيد الطريق لتحقيقها، والذي يعترف أن فنون الدمى في المغرب تعاني من عدم التوثيق وضياع التصميمات بعد نهاية العروض المسرحية، كما أشار إلى أن متاحف فنون الدمى تنتشر في العالم، وقد ضرب مثالا إيطاليا التي يصل عدد متاحف الدمى فيها إلى حوالي 120 متحفا، في حين لا يتوفر المغرب على متحف واحد.

لعلّ هذه الطموحات لدى المشتغلين بفن العرائس تثمر بعد سنوات عودته إلى واجهة الحياة المسرحية في المغرب، وقد تكون المبادرات التي يطمح لها كل من رشيد أمحجور وعبد السلام بوخيمة شرارة تثير انتباه المسؤولين والفاعلين الثقافيين، وتدعو أيضاً فئات أوسع من المسرحيين للاشتغال ضمن هذا الشكل الفنّي وربما إعادة ربطه بالحياة اليومية وإخراجه شيئاً فشيئاً إلى جمهور أوسع من الأطفال.

المساهمون