فوزي كريم.. صَمَتَ القلبُ المفكِّر

فوزي كريم.. صَمَتَ القلبُ المفكِّر

17 مايو 2019
فوزي كريم، تصوير: أحمد محمود
+ الخط -
رحل، اليوم، الشاعر العراقي فوزي كريم (1945 - 2019) في إحدى مشافي العاصمة البريطانية، لندن، تاركاً تجربة شعرية ونقدية واسعة وثرية استمرت منذ الستينيات، حين صدرت أولى مجموعاته الشعرية "حيث تبدأ الأشياء" عام 1969.

بعدها ترك كريم بغداد، مسقط رأسه، مغادراً إلى بيروت، وهناك كتب مجموعة من القصائد ضمّها في كتاب "أرفع يدي احتجاجاً" التي صدرت عام 1973، عن دار "العودة"، لكن الأمور في بيروت كانت غير مستقرة، فقرر الشاعر العودة إلى بغداد.

لكن الحال في بغداد لم تكن بأفضل من بيروت، ويصف موقع الشاعر الرسمي سنوات العودة القليلة تلك، والتي تواصلت حتى 1978 بأنها "كانت على درجة عالية من التوتر، والإحباط، وانسداد المنافذ، بسبب الهيمنة المتزايدة لسلطة الحزب الواحد. قصائده صارت هي الأخرى متوترة، محبطة، وباحثة عبثاً عن إضاءة".

عاش كريم منذ عام 1978 في لندن، وفيها اكتملت تجربته الشعرية دون أن تنقطع عن جذوره وتراثه، وعن ذلك يصف موقعه الرسمي: "منذ مرحلة شبابه الأول كان كريم لا يجد مفارقة في اعتماد الموروث والحداثة (الماضي والحاضر) مصدرين أساسيين لثقافته وقصيدته. الموروث العربي يمده بالإحساس باللغة كمعقل لكيانه الروحي. ويمده بالإحساس بالتاريخ والتواصل. والثقافة الحديثة نافذة يطل منها على اللامحدود".

ويضيف: "الإحساس بالمنفى عميق لديه، لأنه من مطلع الشباب الأول ذاك عاش مجتمعاً ثقافياً يعتمد ممارسة شعائر مقدسة متضاربة، هي شعائر الإيمان العقائدي. وكان هو بمنأى عن هذا المصطرع. ولكنه لم يكن بمنأى عن رائحة احتراقاته ونزيفه. ولقد أشعره معترك الأفكار العمياء بالوحدة، والتطلّع". وإن كانت تجربة كريم في مجملها تُحسب على قصيدة التفعيلة إلا أنها امتازت بحساسيتها الحديثة واعتنائها بالتفاصيل والألوان والأصوات والهوامش، ما جعل صاحبها يُحسب في طليعة الشعراء العراقيين.

خلال إقامته في لندن طيلة العقود الأربعين الماضية، أصدر كريم في الشعر "عثرات الطائر" (1983)، و"مكائد آدم" (1991)، و"لا نرث الأرض" (1988)، و"قارات الأوبئة" (1995)، و"قصائد من جزيرة مهجورة" (2000)، و"السنوات اللقيطة" (2003)، و"آخر الغجر (2005)، إلى جانب "ليلُ أبي العلاء" (2007)، وله مجموعة قصصية بعنوان "مدينة النحاس" (1995).

في عام 2017 نشر فوزي كريم كتابين نقديين جديدين عن "منشورات المتوسط" الأول بعنوان "القلبُ المفكّر، الشعرُ يُغنّي، ولكنه يُفكّر أيضاً"، والثاني بعنوان "شاعر المتاهة، وشاعر الراية، الشعر وجذور الكراهية" ويتناول فيه تجارب شعراء عراقيين من جيل الرواد: نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري، كما يدرس تجارب جيل الخمسينيات، كسعدي يوسف وحسين مردان ومحمود البريكان، وبعض شعراء الستينيات كسامي مهدي وحسب الشيخ جعفر وياسين طه حافظ وفاضل العزاوي وسركون بولص.

وقد ترافقت مع صدور هذين الكتابين طبعة جديدة أصدرتها "المتوسط" من كتابه اللافت "ثيابُ الامبراطور، الشعرُ ومرايا الحداثة الخادعة"(2000)، حيث اعتبرت هذه الإصدارات ثلاثيةً نقدية لا غنى عنها للقارئ والناقد العربيين لفهم تحوّلات ومآلات القصيدة العربية.

ومن إصدارته الأخرى في النقد: "العودة الى گاردينيا" (2004)، و"يوميات نهاية الكابوس" (2004)، و"تهافت الستينيين: أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي" (2006).

وضع كريم سلسلة كتب عن الموسيقى، التي طالما اعتبر أنها من المؤثرات الأساسية في تجربته الشعرية، فصدر له عن دار "المدى": "الفضائل الموسيقية" في أربعة أجزاء هي "الموسيقى والشعر"، و"الموسيقى والرسم"، و"الموسيقى والفلسفة" و"الموسيقى والتصوف". وإلى جانب كونه ناقداً موسيقياً، عُرف أيضاً كناقد تشكيلي ورسّام، حيث عرض لوحاته في معارض تشكيلية، من بينها معرض شخصي أقامه في لندن عام 2008.

المساهمون