منذر كيلاني.. للأنثروبولوجيا أقوال أخرى

منذر كيلاني.. للأنثروبولوجيا أقوال أخرى

03 ابريل 2019
(كيلاني، تصوير: جيروم بانكوني)
+ الخط -
"مدخل إلى الأنثروبولوجيا" (1989)، "اختلاق الآخر" (1994)، "الأنثروبولوجيا من المحلي إلى الشمولي" (2009)، "من أجل كونية نقدية" (2014)، عناوين مؤلفات تشكّل مشاغل الأنثروبولوجي التونسي المقيم في سويسرا، منذر كيلاني، بينما يراوح في أعماله بين نظرية عاد فيها إلى أدوات الأنثروبولوجيا بالنقد والتمحيص، وأخرى ميدانية من أبرزها تلك التي خاضها حول معتقدات سكّان الواحات، أو العلاقة بين الترتيبات القبلية وتنظيم المياه في الجنوب التونسي، وأخرى تناول فيها الحياة المعاصرة في الغرب، من ذلك دراسته الأنثروبولوجية على الحجاب في فرنسا.

آخر إصدارات كيلاني، الذي يكتب بالفرنسية، كان كتاب "عن طعم الآخر" (2018) وهو العمل الذي سيقدّمه غداً في "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون - بيت الحكمة" في قرطاج بالقرب من تونس العاصمة.

في هذا العمل، يقف الباحث التونسي عند ظاهرة أساسية في مجال الأنثروبولوجيا وهي الكانيبالية، أو أكل لحوم البشر، وهو خيار لا ينقطع عن أبحاثه السابقة، وإن بدت الثيمة بعيدة عنها، إذ إنه يدرس من خلال المدوّنة الأنثروبولوجية التي اعتنت بهذا الموضوع، علاقة الغرب بالآخر، على خلفية أن الأنثروبولوجيا إلى زمن غير بعيد ظلت تمثل جهازاً معرفياً غربياً بشكل حصري.

يشير كيلاني إلى ما يسمّيه بـ"افتتان" لدى علماء الأنثروبولوجيا، خصوصاً من الروّاد، بقضية آكلي لحوم البشر. وعلى مستوى آخر، يشير إلى اختزالات أخفت المعالم الرمزية للظاهرة، من ذلك إشارته إلى أن الممارسات الكانيبالية لا يمكن حصرها في إطار واحد، إذ تختلف مدلولاتها وشعائرها، ومستوياتها، بين القتل الفعلي والرمزي، وبين حالات الضرورة مثل المجاعات والأوبئة وحالات الطقوس الدينية أو الثقافية بشكل عام.

يرى كيلاني هنا أنه جرى خلط الأزمنة والأماكن فغابت حقائق هذه الظاهرة أو على الأقل تعقيداتها، في الوقت الذي كانت هذه الصور تخدم مقولات جاهزة بتفوّق الرجل الأبيض على المستوى الحضاري، لاحقاً ستغذّي التخييلاتُ الأدبية ثم السينمائية تصوّرات عدة حول الكانيبالية وغالباً ما تتجه بها بعيداً عن الوقائع الحية.

ما حدث مع الكانيبالية يمثّل حالة من توظيفات الأنثروبولوجيا كميدان التقى فيه العقل الغربي بشعوب العالم (خارج أوروبا). يؤكّد كيلاني هنا أن هذا المجال المعرفي الذي يُفترض فيه أن يكشف حقيقة الإنسان بغضّ النظر عن ثقافته، كان يطمس الأبعاد الرمزية التي لا يمكن من دونها فهم الكائن البشري وممارساته، وما ينطبق على قراءة الأنثروبولوجيين لظاهرة آكلي لحوم البشر ينطبق أيضاً على ظواهر أخرى احتكّوا بها، ومنها المتعلقة بمعتقدات الشعوب الأخرى من عبادات وتنظيم للحياة العامة وطرق تمرير السلطة بين الأجيال، وما لم تتخلّص الأنثروبولوجيا من هذا الإرث وتعيد تمحصيه، فستبقى تراوح مكانها، أي أنها ستكون مجرّد جهاز معرفي غربي من العسير عليه أن يفهم موضوع درسه: الإنسان.

المساهمون