المتعة في الرواية

المتعة في الرواية

23 ابريل 2019
(من سلسلة "في حضرة الحيوان" للفنان النصري عادل السيوي)
+ الخط -

يُعبّر الكثير من القرّاء عن رأيهم في الرواية بأنها يجب أن تمنحهم المتعة، أو لا تستحق القراءة، ويعاقَب الكاتب بنبذه من لوائح القراءة المرغوبة. تدور هذه الآراء، وهي مجرّد تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا كان يغفر لهم هذا الشطط، فلاعتقادنا أنه يحق لهم ذلك، وإلا لمن نكتب؟ بينما هناك من يعارض، بالقول إن تقييم الرواية قضية اختصاص، خاصة أن القرّاء يُدلون بآرائهم في مجال لا يعنيهم كثيراً، مهما كانت ذائقتهم، فالقضية جدية نوعاً ما.

يُجادل بعض النقّاد والكتّاب في هذا الشأن، ويعبّرون عن دهشتهم من الحصول على المتعة من عمل "أدبي" غير ذي قيمة تماماً، كهذه الكتب التي تحتشد بالمغامرات في بلدان متخيّلة، يلتهمها الناس بشغف، وربما تخيّلوا أن هذا هو الأدب ما دام ممتعاً، ولا يمنع هذا من إدراك الكثيرين أنهم ليسوا في حضرة أدب رفيع، ولن نعدم في الجهتين من وجود قرّاء محترفين، ومثقّفين ومفكّرين من النوع الثقيل. وفي مثال متداول، شوهد الفيلسوف برتراند راسل، العقلاني جداً، عشية فوزه بجائزة نوبل، مسرعاً إلى بيته يحمل معه روايات بوليسية، سُئل عنها، فلم يُخف رغبته في قضاء ليلة ممتعة.

ليس من العسير مصادفة من لا تروق لهم روايات دوستويفسكي وبلزاك وتولستوي. مؤخّراً، أعلن قارئ بصراحة أن روايات حرب النجوم والديناصورات أفضل منها، هذا ولن نتطرّق إلى رواية "عوليس" لجيمس جويس، التي كثيراً ما صرّح أساتذة أدب وذوّاقة رواية عن عدم إعجابهم بها، حتى أنهم لم يقرأوا منها أكثر من مائة صفحة.

يسمح الفيسبوك بالآراء المجافية للأدب العظيم، لعدم اهتمامه بالأدب، فاهتماماته الرقابية سياسية وجنسية ودينية ومنع الدعوات العنصرية. طبعاً من محاسنه ألّا يطاول الأدب، فالمنع احتكرته الأنظمة العربية.

على هذا المنوال، عبّر قرّاء عن آراء مضادّة لأدب ماركيز تحلّت بجرأة خارقة بالنسبة لشهرة الكاتب الكولومبي، وإن يمكن فهمها على أنها تتحلّى بالجهل أكثر، خاصة وأنك في الفيسبوك تستطيع إطلاق أكثر الآراء غرابة، لكن من يستمع لك، ويأخذ كلامك على محمل الجد؟ خاصة وأن أغلب "اللايكات" على سبيل المجاملة، لا الفهم. فتستطيع أن تزعم أن رونالدو أفضل من ماركيز، وتحصل على حزمة "لايكات" من الأصدقاء الذين يعرفون رونالدو، ولم يسمعوا بماركيز.

ما يعني أن المتعة قضية ذاتية أكثر من كونها قضية تقييم. وإن كانت اختصاصية، ولو بحدها الأدنى، فلا بد من ضمان القدرة على التقييم، أي بماذا يتميّز رونالدو على ماركيز في الرواية لتصح المقارنة وأسباب التفضيل؟ ثمة معايير لتحديد ما هو جيّد في الرواية. أمّا بعد ذلك، فإن أعجبتنا أم لا، وسواء أمتعتنا أم لا، فقضية أخرى لا علاقة لها بالنقد الأدبي. هذا الذي لا نصادفه في مجلاتنا الثقافية، ولا شيء شبيهاً به في الفيسبوك، ولا في نتائج الجوائز الأدبية، ما دام المحكّمون، لا يتحكّمون بها، ربما يقرأون مطلع الرواية، ثم يبحثون في غوغل عمّا قيل عنها، وهم معذورون، في عدم هدر الوقت الثمين على قراءة رواية من ثلاثمائة صفحة، فما بالنا بعشرات الروايات؟

من حسن الحظ، هناك من يشير إليهم بالروايات الفائزة، بمراعاة بلد معين، أو مناسبة ما ضد الإرهاب، أو المرأة المهضومة حقوقها، أو كاتب لا بد من تكريمه... طبعاً مع استبعاد كل ما يوحي بلعنة الجحيم العربي، حتى لو كان ربيعاً حقيقياً.

أخيراً، حسب الإنكليزي تيري إيغلتون، فإن الاستمتاع بقطعة أدبية لا يعني الإعجاب بها، يمكنك أن تستمتع بقراءة كتب لا تعجبك، وأن تُعجَب بكتب لا تستمتع بها.

دلالات

المساهمون