قراءة الشاشة

قراءة الشاشة

21 ابريل 2019
ستيف كوتس/ بريطانيا
+ الخط -

نحيا في زمن الشاشة المستحوِذة. وحتى الآن لم نتبيّن بالضبط ماذا خسرنا من هذا الاستحواذ الآلي.

عن نفسي، أعرف هذا فقط: الشاشة تُشتتني. ولا يلم شتاتي إلا الابتعاد عنها، لمدة شهر، بين فترة وفترة.

أما أخطر مضاعفات هذا التشتيت (ودعك الآن من مخاطره الصحية، فهذا موضوع آخر)، فهو ضمور العقل النقدي، بل موت هذه النزعة اللصيقة بالمثقف، بعد وقتٍ ما.
والمعنى؟ إنك تصبح واحداً من القطيع المتدافع الذي يُعد بالمليارات.
تُرى هل حَلُمَ كهانُ الرأسمال بهدية أفضل من هذه؟ أن تكون عبداً بمزاجك، فهذا سنام أحلامهم.

زمان، كان الواحد يقرأ الكتاب في يوم أو اثنين أو أسبوع حتى. يستوعب ما يقرأ ويضع خطوطاً على ما أعجبه وما لم يعجبه.
بمعنى أن عقله النقدي وذائقته حاضران.

ترى كيف يتاح هذا مع الشاشة ومع التدفق الهائل للمعلومات والمواضيع، ما لم ينتبه المرء ويقنن وقت القراءة؟
والحق، أن منفاي ألزمني بالشاشة، لعدم توفر كتب باللغة الأم.
حتى صرت أقول، إن زمن القراءة بالنسبة لي، ولّى، وإن قراءة الشاشة إنما هي تصفّح فقط. أحاول تعديل هذه المصيبة، فأنجح حيناً، ولا أفعل غالب الأحيان. تُرى ماذا لو بُعث أفلاطون اليوم، ورأى ما نرى في المترو مثلا؟ سيبكي على زمن الكتابة (وكان قد اعتبره بمثابة "كارثة"، لأنه أنهى التواصل الشفاهي بين الناس)؟

أفكر هكذا، ولدي اليقين بأن ما مضى، قد مضى للأبد.
ففي كل تقدم وحداثة جديدة، ثمة قَسْر أصيل، هو من طبيعتهما القطيعية.
مع ذلك، على كل امرئ أن يتدبر حلا مع نفسه. وأقصد بالخصوص أمثالَنا من المخضرمين.

المساهمون