العربية بحروف إيطالية

العربية بحروف إيطالية

14 ابريل 2019
(مقطع من عمل لـ إليزابيث بولزا)
+ الخط -

حين نتحدّث عن العلاقات الثقافية بين إيطاليا والعالم العربي تُفتح في أذهاننا عدّة نوافذ، أولاها صِقلّية العربية، ثمّ العلاقات التجارية بين التجّار العرب ومدينتي البندقية وجنوة، وطبعاً التراث الإسلامي الذي استمرّ وجوده عموماً في عدّة مناطق من إيطاليا، حتى بعد خروج العرب من جزيرة صقلّية التي صارت بعد ذلك مملكة النورمان بقيادة الملك فيديريكو الثاني المعروف بولعه الكبير بالثقافة العربية إلى درجة أنه أُطلق عليه اسم الملك المسيحي المسلم.

ونستطيع اكتشاف تأثير الثقافة العربية في إيطاليا من خلال تصفحنا لمعجم اللغة الإيطالية. كما في لغات أخرى، هناك مثلاً كثير من الكلمات المتداولة في إيطاليا أصلها عربي، وخاصة في المجالات العلمية التي كان العرب متقدّمين فيها كالطب والفلك والرياضيات.

ليس في المجالات العلمية فحسب، بل كانت اللغة العربية حاضرة حتى في الحياة اليومية. ففي القرن الخامس عشر كان الكثير من الناس في إيطاليا يفهمون العربية دون حاجة إلى الترجمة. وحتى بعد تلك الفترة، استمرّ استعمال العربية في إيطاليا في المجالات العلمية والفنية. فمثلاً، في القرن السادس عشر، نجد أن الكاتب المسرحي الإيطالي جيجيو أرتيميزيو جانكارلي (Gigio Artemisio Giancarli) وظّف في عمله الأدبي "لازينجانا" (La Zingana)، الذي ألّفه في سنة 1545 العديد من العبارات العربية.

ونلاحظ، مثلاً، أنه قام باستعمال تلك العبارات متبوعة بترجمتها إلى الإيطالية، ونذكر منها على سبيل المثال: "dei beled betach" (ديبلد بتاعك، أي "هذه بلدك")، و"ane ma barf" (أنا ما باعرف، أي "أنا لا أعرف")، و"sticul" (ش تقول، أي ماذا تقول).

حتى وإن لم تكن عبارات فصيحة، فهي عبارات من العاميات العربية الأكثر اتصالاً والأقرب جغرافياً من المحيط اللغوي الإيطالي، ونقصد هنا العاميات العربية المتداولة في شمال أفريقيا ومصر. وبما أن المؤلّف وظّفها في المجال المسرحي، فهذا يوحي بأن تلك العبارات كانت متداولة يومياً.

ونفهم من طريقة التعامل اللغوي هنا أنه في تلك الفترة كان استعمال العربية في إيطاليا أقلّ من السابق. ولكن إن قرأنا نصوصاً تعود إلى القرن الثالث عشر والرابع عشر، أي قبل عهد المؤلف المسرحي جانكارلي، نجد فيها كلمات وعبارات عربية دون ترجمة. وهذا يعني أنّ اللغة العربية كانت مستعملة ومفهومة لدى الإيطاليين ولا تحتاج إلى ترجمة.

والمثير للاهتمام، هنا، هو تنوّع مصادر العبارات؛ فلا نستطيع القول إنها تنتمي إلى عامية عربية معينة، وهذا يعني أن العرب الذين عاشوا في إيطاليا أو كانت لهم اتصالات مع الإيطاليين في تلك الفترة ينتمون إلى مناطق مختلفة من العالم العربي.

طبعاً، للمتخصصين في اللسانيات والنقد الأدبي في تلك الفترة في إيطاليا نظريات مختلفة حول استعمالات العربية. ولكن، ما أردتُ أن ألفت الانتباه له هنا هو أن الوجود الثقافي العربي في إيطاليا ليس ظاهرة جديدة بل بدأ منذ زمن بعيد.


* ناقدة وأكاديمية إيطالية

المساهمون