الفرعون كصناعة ثقافية

الفرعون كصناعة ثقافية

26 مارس 2019
(من المعرض، فانسان لوازون)
+ الخط -

ربما يكون "معرض توت عنخ آمون" الذي يقام حالياً في باريس، هو الحدث الثقافي الأبرز خلال الربيع في بلاد موليير، أو هذا ما نشعر به على الأقل من خلال متابعة وسائل الإعلام الفرنسية للحياة الثقافية، حيث ركّزت بشكل كبير على المعرض وقدّمته من زوايا عدة، من دون أن ننسى الاحتفاء الكبير الذي يحظى به المعرض لدى جماعة الأركيولوجيين، ولا سيما المتخصّصون منهم في مصر القديمة، وهؤلاء يمثّلون أحد أنشط الجماعات العلمية في فرنسا.

منذ 23 من الشهر الجاري، تُعرض آثار الفرعون المصري في ضاحية لا فيليت، وكان أحد أهم عناوين إطلاق هذا المعرض أن 150 ألف تذكرة قد بيعت قبل انطلاقه. ألا يثير كل ذلك تساؤلاً: ما الذي يجعل من توت عنخ آمون حدثاً ثقافياً في فرنسا؟ لا نعتقد أن الأسباب التاريخية وحدها يمكن أن تفسّر الأمر.

المفارقة أن توت عنخ آمون، الذي يمثّل اليوم أحد أشهر الفراعنة في العصر الحديث، لم يكن له هذا الصيت في حياته، وهو الذي رحل قبل بلوغ العشرين من عمره، ولا يمثّل أحد الفراعنة الذين تركوا بصمات معمارية، إلا إذا اعتبرنا المتاهة التي تفضي إلى ضريحه كذلك.

وفي الحقيقة، كانت هذه المتاهة هي أحد أسباب شهرة توت عنخ آمون، حيث إن عدم العثور على ضريحه في الفترة الأولى من الحفريات خلال القرن التاسع عشر قد صنع حوله فرضيات مثيرة وصلت حتى إلى القول بأنه شخصية أسطورية. تواصل ذلك إلى 1922، حين نجح الأثري البريطاني هاوراد كارتر في اكتشاف ضريحه، والذي كانت كنوزه مكتملة، على عكس معظم الفراعنة الذين وصلتهم أيادي لصوص الآثار، واللصوص بشكل عام، قبل أن يبدأ العمل الحفري المنهجي. ومن المؤكّد أن حجم الكنوز المكتشفة كان عاملاً آخر يصبّ في شهرة الفرعون في الزمن الحديث.

بعد ذلك، سرعان ما صعد سبب جديد عُرف بـ"لعنة الفرعون"، حين رحل عدد من المشاركين في الحفريات التي قادها كارتر، أبرزهم اللورد كارنارفون، الذي موّل مشروع الحفريات. حدث ذلك خلال الزمن الذهبي للرواية البوليسية وألغازها، ولا غرابة أن نجد أثراً لتوت عنخ آمون بعد ذلك في أعمال صنعت مخيال إنسان القرن العشرين، مثل روايات أغاثا كريستي أو أشرطة مغامرات تان تان.

يمكن أن نتوقّع خفوتاً في نجومية الفرعون مع مرور الزمن، غير أن أدوات التسويق الثقافي يمكن أن تعيد للجمهور رغبته وتصنع مخيالاً جديداً حول الفرعون المصري، وها هي الدعاية الصحافية تؤكّد أن الرقم القياسي في حضور معرض في فرنسا كان سنة 1967 (أكثر من مليون تذكرة) وحضرت فيه أيضاً كنوز الفرعون، أليس في ذلك دعوة خفية إلى تحطيم الرقم القياسي؟

المساهمون