"الدولة والمعرفة": المجال والسيادة والإصلاح
يسعى أستاذ التاريخ والباحث التونسي عبد الحميد هنية في عدد من مؤلّفاته إلى دراسة قضايا تخصّ مظاهر الحداثة وصيرورة بنائها، من ذلك قضية نشأة الدولة بالمعنى الحديث للكلمة، وعلاقة السياسي بالديني، وظهور المعارف الجديدة، وظهور شخصية المؤرخ بالمعنى الجديد للكلمة، وظاهرة الفردانية في المجتمع التونسي، و"أهلنة" المعرفة التاريخية في بلاد المغارب.
ويركّز على بناء الدولة الترابية؛ المصطلح الذي يرتبط في تأسيس المجال والسيادة والحدود، من خلال قراءة التحوّلات الاجتماعية والسياسية، وآليات بناء الإجماع حول مركزية الدولة وكيفية انعكاس ذلك على قطاعات حيوية عديدة.
ينظّم "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون" (بيت الحكمة) في تونس العاصمة عند الرابعة من مساء الخميس المقبل، الثامن والعشرين من الشهار الجاري، لقاء مع هنية بعنوان "الدولة والمعرفة، من ابن خلدون إلى مصلحي القرن التاسع عشر".
في كتابه "الدولة الحديثة في تونس العثمانية"، يعود المحاضر إلى إشكالية سياق بناء الدولة في البلاد التونسية مسألة جوهرية، ويقارن بين مسار تشكّل المركزيتين الترابيتين التونسية والمغربية، وارتباطه بملفات على غرار الصلاح والهامشية وتاريخ الهياكل الديمغرافية على سبيل المثال، وذلك من خلال الوقوف عند نتائجها وتثمين الجهود المعرفية لأصحابها في إعادة صياغة المقترح المعرفي لتاريخ مجال المغارب عامة والبلاد التونسية خصوصاً.
كما يرصد كيف تغيّر النسيج الاجتماعي في تونس مع تدرّج الدولة في تمكين منظوريها من الحصول على وضعية "الرْعيّة" عبر إقرار ملكية أعيان الحواضر لعقاراتهم وإخضاعهم لدفع ضريبة العشر، ثم توسّعها في ذلك التوجّه ليشمل لاحقاً الفئات الـمُنتجة من بين سكان الدواخل أو البوادي - ذلك الواقع الذي عكسته مختلف المحطات المفصليّة المتصلة بمراجعة أنظمة الأداء الضريبي والقيام بعدّة إصلاحات في هذا السياق.
يعالج هنية ضمن قراءته المتراكمة الآليات التي تطّور فيها الدولة كقوة مركزية تحتكر العنف والتغيّرات التتي تحدث بشكل موازٍ في بنيتها الإدارية وعلاقتها بفئات المجتمع، وبروز الإصلاح كحاجة تفرضها الظروف وتشكّله كمشروع.
يُذكر أن عبد الحميد هنية أصدر عدّة كتب منها "الجريد التونسي وعلاقته بالبايليك" (1980)، و"الملكية والاستراتيجيات الاجتماعية في مدينة تونس" (1999)، و"تونس العثمانية: بناء الدولة والمجال" (2012)، و"التجربة البحثية لمخبر دراسات مغاربية" (2012).
