"ملتقى مدى": الفن الطليعي في مرآة الشمولية

"ملتقى مدى": الفن الطليعي في مرآة الشمولية

17 فبراير 2019
("الزعيم وتأميم القناة" لـ حامد عويس)
+ الخط -

في ندوةٍ بعنوان "الفن والدولة الشمولية والحركات الطليعية"، احتضنها "مركز الصورة المعاصرة" في القاهرة، ضمن فعاليات "ملتقى مدى"، أشار الباحث المصري فؤاد حلْبوني بإسهابٍ إلى الأرضية التي انطلقت منها فكرة الملتقى: "كنا نحاول التفكير في مآلات هزيمة ثورة الخامس والعشرين من يناير".

هكذا بدأ اللقاء الذي جاء بمناسبة إطلاق الملتقى كتيّباً بعنوان "مقالات حول حركات الفن الطليعي ودولة ما بعد الاستقلال"، بتحرير كلّ من الناقد الفني إسماعيل فايد وحلبوني نفسه، والذي أضاف أن سلسلة اللقاءات الثقافية هذه "تسعى للبحث عن الإيجابي في الهزيمة، ليس بمعنى الحنين، ولكن البحث في بؤس بعض الخيارات السياسية".

في تناوله الطرح التأسيسي للملتقى، ركّز الباحث على سؤال الذاكرة والثورة وعلاقة ذلك بالإنتاج الثقافي: "نحاول في هذه اللقاءات تفكيك سلطة الرواية الرسمية من خلال البحث في مسألة الإنتاج الثقافي وعلاقته بالدولة والمؤسّسات الرسمية".

تستند هذه الأفكار، كما أشار الباحث أيضاً، إلى أعمال كتّابٍ وباحثين آخرين؛ كالكاتب والمؤرّخ صلاح عيسى، والمؤرّخ والأكاديمي خالد فهمي، والباحثة المهتمة بالتاريخ الشفهي وحكايات الأفراد، عليا مسلم.

يجمع الكتيّب، الذي دار حوله اللقاء، عدداً من الكتابات التي تبحث في مسألة الإنتاج الثقافي وعلاقته بالدولة، لكنها تنطلق - كما الملتقى ذاته - من كتاب المؤرّخ والناقد الفنّي الألماني بوريس غرويس "الفن الستاليني الشامل: المدرسة الطليعية والدكتاتورية الجمالية وما بعدها"، والذي نُشر في ألمانيا عام 1988، وترجمت أميرة المصري فصلاً منه ليُضمَّ إلى عددٍ من المقالات التي كتبها فنّانون ومسؤولون مصريّون زمن الحكم الناصري لشرح "رسالة الفن في المجتمع الاشتراكي".

يقول إسماعيل فايد إن غرويس حاول في كتابه "أن يتطرّق إلى علاقة الحركات الطليعية بالحداثة واستكشافها أفكاراً جديدة عن الفن بوصفه أداة للتغيير وليس أداة للتمثيل"، مضيفاً أن المؤرّخ الفنّي الألماني طرح فكرة تطوُّر الثورة البلشفية كتجسيدٍ حقيقي لكل آمال وطموحات الحركات الطليعية، وكتجربة خلق عالم جديد تكون فيه الحياة نفسها هي المادة الخام المتاحة لخلق نظام مثالي شامل.

من هذه الفكرة تحديداً، سعى الباحثان لإجراء مقاربة في علاقة الحركات الطليعية المصرية بالنظام الناصري، استناداً إلى أفكار غرويس عن الحركات الطليعية الروسية في علاقتها الوطيدة بالستالينية.

في ورقته البحثية، فصّل فايد كيف نشأت الفنون الجميلة في مصر، وما تلاها من ظهور للحركة الطليعية في أواخر الثلاثينيات، والتي عُرفت باسم "جماعة الفن والحرية"، وكيف أن هذه الحركة في ما تلا يوليو 52 لم تكن بعيدة الصلة عن التأميم الناصري للمجال الثقافي العام، حتى أن أحد رمسيس يونان (1913 - 1966)، وهو أحد مؤسّسي الجماعة، وحال عودته من باريس بعد تأميم قناة السويس "جرت إعادة تأهيله كأحد مثقّفي الدولة؛ حيث اقتنت الأخيرة عدداً من لوحاته في متاحفها الرسمية، كما استفاد من منحة تفرّغ من وزارة الثقافة حتى رحيله".

اللحظة التي، ربما، تغيَّر عندها كل شيء بشكل جذري، هي حينما أُنشئت وزارة الثقافة والإرشاد القومي، أو "الغول" بتعبير فايد، عام 1960؛ إذ "مثّل ذلك لحظة التشكيل الفعلي للمجال العام والثقافي واستيعاب جميع أشكال التنظيم داخل كيان الدولة بشكل شمولي واضح".

غلاف الكتيب الصغير يقول الكثير عن هذا الاستيعاب؛ إنها لوحة "الزعيم وتأميم القناة" للفنان حامد عويس (1919 - 2011)، وهو واحد من الروّاد الأوائل. يظهر جمال عبد الناصر فيها بجسد ضخمٍ يملأ منتصف العمل، وذراعه اليسرى ممدودة بكفّ مفتوح كما لو كانت تنهى الجموع عن شيء ما. اللوحة التي كما يشير فايد "تعبّر بشكل واضح تماماً عن مركزية عبد الناصر كقائد، يحدّد مصير ذلك الشعب الذي يلتفّ حوله مترقّباً ما الذي سيقوله ويفعله".

من أهم ما يشير إليه الكتيّب في صلب مسألة الفن الطليعي وعلاقته بالدولة الشمولية، ليس فقط تحوُّل الفن إلى بروباغندا ودعاية صارخة لأحلام أو أوهام المجتمع الجديد، وإنما أيضاً إلى ما يسمّيه حلبوني "الأثمان الباهظة التي دُفعت في مقابل تصديق وعود الزعماء بخلق عالم مغاير"، تلك الأثمان التي لا ترد في كتب التاريخ الرسمي.

المساهمون