باحثات عربيات ودراسات ثقافية: احتجاج أكاديمي

باحثات عربيات ودراسات ثقافية: احتجاج أكاديمي

30 ديسمبر 2019
(تجهيز "عقلي المقفر المحتجز" للفنانة التونسية نادية كعبي لينكي)
+ الخط -

تُعدّ الدراسات الثقافية العربية حقلاً ناشئاً يشتبك مع مجالات دراسية أُخرى متشعّبة؛ مثل مواضيع الجندر، والاقتصاد، والتاريخ، ونظرية المعرفة، واللغة، والسياسة، والنقد الأدبي والثقافي، والثقافة الشعبية، بل وأكثر من ذلك بكثير.

وقد أصبح هذا المجال يجذب إليه الدارسات العربيات في العقد الأخير، ومن بينهن باحثات بدأت دراساتهن وقراءاتهن تسترعي الانتباه.

عرف العام، الذي يشارف على نهايته، العديد من الأنشطة التي كشفت عن مشاريع ودراسات أكاديمية تجريها أكاديميات وفنّانات وباحثات في مجال الدراسات الثقافية (الذي لا يُدرَّس في غالبية الجامعات العربية)؛ معظم هذه المشاريع قُدّمت في العواصم الأوروبية، وبشكل خاص في برلين ولندن، فيما كانت شبه غائبة عن مراكز الدراسات والجامعات العربية.

في هذا السياق، اُقيمت سلسلة من المحاضرات في مؤسّسات غربية وفّرت منصّاتٍ للباحثات العربيات لمناقشة مشاريعهن التي يمكن اعتبارها في صميم الدراسات الثقافية، وإن كان توجُّه كلٍّ منها مختلفاً عن الآخر؛ فمنها ما يميل إلى السياسة أو السوسيولوجيا أو التاريخ، ومنها ما يبحث في الأدب أو الفن.

من الباحثات اللواتي برزت مشاريعهن وقراءاتهن خلال 2019 من حيث تفرُّد مواضيعها: رنا عيسى، وريم نجيب، وديانا عباني، وعلياء مسلم، وباسكال غزالة، وآلاء يونس، وحنين نعامنة، وزينة حلبي، ولمياء مغنية، وعريب طوقان، وملك لبيب.

لكن، هل بدأت الباحثة العربية تتنبه إلى ضرورة التوسُّع في هذا المجال بوصفه حقل "المقاومة" كما يصفه ستيورات هول؛ أحد أهم المنظّرين في مجال الدراسات الثقافية، لا سيما أن هذا الحقل ظهر في بريطانيا بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية بهدف البحث في طبيعة التغيير الاجتماعي، أي أنه حقل يزدهر بطبيعة الحال في مرحلة ما بعد الحرب، حيث الحاجة ماسة إلى الالتفات لقضايا قلّما شغلت الأكاديميا قبل الحرب.

اعتبر هول أن الدراسات الثقافية نشأت من أزمة في العلوم الإنسانية، ومن الحاجة إلى الثورة على ادعاءات الأخيرة وأخْذ استراحة منها ومن مراجعها التقليدية، مبيّناً أنه، وحين نشأ هذا الحقل، لم يكن لدى طلّابه ما يقرؤونه كمرجع لولا غرامشي وأدورنو.

كما يلفت إلى ميزة الدراسات الثقافية كمجال متعدّد التخصُّصات لا ينبغي إخضاعه للتصنيف، وأنها ليست شيئاً واحداً، بل حقل ذو طبيعة نقدية حتى تجاه نفسه.

ألا يمكن أن يكون هذا التوجه الآخذ في الاتساع نحو الدراسات الثقافية ردة فعل على عقود ظلّ معظم نتاج الأكاديميا العربية الرسمية جامداً في الطرح وتقليدياً في المواضيع، ولم يُساير التحوُّلات الكبيرة التي عاشتها المنطقة في العقد الأخير؟

لعلّ هذا الميل من لدن الباحثات العربيات هو أيضاً طريقتهن في الثورة على الدراسات الأكاديمية بشكلها الكلاسيكي، والتي طالما تحكَّم في توجّهاتها العامة الباحثون الرجال مثلما هو الحال في أي حقل معرفي آخر.

المساهمون