رحيل محمد شحرور.. جدل لم ينته لليوم

رحيل محمد شحرور.. جدل لم ينته لليوم

22 ديسمبر 2019
(محمد شحرور/ 1938 - 2019)
+ الخط -

أثارت آراء الباحث السوري في الدراسات الإسلامية محمد شحرور (1938 -2019)، في تسعينيات القرن الماضي، موجة من الجدل لم تتوقّف حتى رحيله أمس السبت، سواء بين الإسلاميين الذين انقسموا بين مؤيد لآرائه في تجديد الخطاب الديني، وبين من اعتبروه "تحريفياً" في قراءته للنص، أو بين العلمانيين الذين رأى بعضهم في تنظيراته ردّاً على تيارات الإسلام السياسي التي يخاصمونها، مقابل فريق منهم لم يجدوا تماسكاً في طروحاته.

في لحظة تاريحية أعقبت حرب الخليج الثانية وتراجع خلالها المد اليساري والقومي، طفت على المشهد قوى دينية متشددة في معظم البلدان العربية، مقابل ظهور عدّة محاولات ضمن اتجاهات مختلفة حاولت أن تقدّم مقاربات إصلاحية يمكن أن تصالح العصر.

كان شحرور واحداً من هؤلاء "الإصلاحيين"، مع صدور كتابه "الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة" (1990) الذي حاول فيه تفسير القرآن بناء على تأويل معاصر ينظر إلى النص القرآني وفق منظور جديد، ويقسّم محتواه إلى "الكتاب والقرآن" و"الذكر" و"الفرقان" مفرّقاً بين تفسير كلّ منها وكيفية التعامل مع آياته والاجتهاد في تأويلها.

استطاع صاحب كتاب "الدولة والمجتمع" (1994) أن يجذب إليه الكثير من المريدين، ويمكن ملاحظة أن قسماً كبيراً منهم، من ذوي الخلفيات العلمانية أو اليسارية والليبرالية التي رأت أن النسخة "المخففة" من الالتزام بالإسلام تجعل منهم مقبولين اجتماعياً بعد الإيمان بها.

كما أن المواقف والتصريحات التي كان يطلقها شحرور بين الحين والآخر، شكّلت نقطة جذب إضافية مثل قوله إن "بنية العقل العربي الذي خضع لكل أنواع الطغيان ونشأ عليها ابتداءً من سلطة الوالدين وحتى سلطة الحاكم المستبد، وبالتالي أنتج ثقافة تحمل خوفاً مفرطاً من أيّ تغيير" أو في تأكيده على أن "الله ساوى في الخطاب بينهما “المسلمون والمسلمات والمؤمنون والمؤمنات".

وبالطبع، وافقت آرائه التي وضعها في كتابه "فقه المرأة" جمهوراً كبيراً من النساء، التي أيّدت حديثاً لفقهاء سبقوه وقالوا بأن القرآن لم يأت على ذكْر الحجاب، استناداً إلى رفضه اعتبار المرأة "فتنة" ومصدر الغواية إضافة إلى توضيحه حرمان المرأة الكثير ممّا جعله الله عزّ وجلّ حقاً لها عبر ما صنّفها كـ "احاديث نبوية مشكوك في صحتها".

خصوم شحرور، انطلقوا من هِنات عديدة وقع فيها عند تفسيره العديد من الآيات ليبرهن صحّة آرائه، إذ أشاروا إلى عدم تطابق شرحه لبعض المفردات مع أي من المعاجم التي عرفها العرب عبر التاريخ، بمعنى أنه وضع معنى لها من دون أساس له، حتى يتمّكن من تأويل الآية وفق قناعاته المسبقة مثلما فعل في تفسير الآية الرابعة عشر من سورة "آل عمران: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" بأن معنى "النساء" جمع نسيء، أي الأشياء المؤخَّرة، أي الأشياء الجديدة، وليس جمع مرأة.

نقطة أخيرة تتعلّق بأساس التأويل عنده، حين اعتبر أنه حقّ مشروع لكل مؤمن بما يتوافق مع عدم إقرار الإسلام لوجود طبقة من رجال الدين تحتكر تفسير النص، كما حدث في الكنيسة الأوروبية خلال القرون الوسطى، ووفق منطقه فإننا سنكون إزاء تعدّد التأويلات، لكنه خلافاً لذلك كان يطعن بكلّ تأويل لا يتفق معه في الطرح أو المقصدّ.

لا يمكن تقدير أهمية ما قدّمه صاحب "السنة الرسولية والسنة النبوية – رؤية جديدة" من مؤلّفات في ظلّ العنف اللفظي المتزايد حول قراءة التراث، والذي يقود في اتجاه إلى استسهال التكفير، في فتاوى نال شحرور نفسه نصيباً منها، ويذهب في اتجاه آخر إلى نفي الماضي باعتباره عبئاً لم يعد بمقدور المسلمين احتماله، مع ملاحظة أن كلا الطرفين يغيّب السلطة التي لا معنى لقراءة النص بمعزل عنها طوال ألف وأربعمئة سنة مضت.

دلالات

المساهمون