رحيل عصام سخنيني: نصف قرن من تفكيك المرويات الصهيونية

رحيل عصام سخنيني: نصف قرن من تفكيك المرويات الصهيونية

21 نوفمبر 2019
مثقف موسوعي كرّس بحوثه لدراسة تاريخ المنطقة العربية(فيسبوك)
+ الخط -
يعدّ المؤرّخ والباحث الفلسطيني الأردني الراحل عصام سخنيني (1938 – 2019) الذي رحل أمس الأربعاء، أحد المثقفين الموسوعيين الذين كرّسوا مشوارهم البحثي لدراسة تاريخ المنطقة العربية، القديم منه والحديث والمعاصر، متمسّكا بمنهج علمي رصين في تصديّه للعديد من المغالطات التاريخية.

وقدّم الراحل عشرات الكتب والدراسات التي تفنّد المزاعم التوراتية والتي اعتمد عليها مؤرّخون عرب من القدامى والمحدثين، وخاصة في ما يتعلّق بتاريخ فلسطين، مبيّناً استناد العديد من مؤلّفاتهم وما جاء فيها حول تاريخ الخلق منذ أول الخليقة حتى نهاية عصر الملك سليمان إلى المرويات اليهودية، التي لم تواجه نقداً حقيقياً لديهم، باستثناء ما كتبه ابن حزم وما كتبه بعد ذلك ابن خلدون.

ساهم سخنيني بتأسيس "مركز الأبحاث الفلسطينية" في بيروت عام 1965، وشغل نائب المدير العام للمركز بين عاميْ 1971 و1978، الذي سعى إلى جمع الوثائق المتصلة بالصراع العربي الصهيوني، وإعداد الدراسات والأبحاث الميدانية حول القضية الفلسطينية، ونشر المعرفة بالعدو الإسرائيلي في الأوساط الفلسطينية والعربية عبر توفير المعلومة الدقيقة.

وكانت الطبعة الثالثة من كتابه "القدس: تاريخٌ مُختَطَف وآثار مُزوّرة" صدرت الشهر الماضي، وتناول فيه عمليات تزييف وتشويه بحكايات الكتاب العبريّ، وتواصلت بالأساطير المؤسسة للفكر الصهيونيّ المعاصر، كمدخل لإعادة كتابة تاريخ القدس القديم. كتابةٌ متخلّصةٌ من الخرافات والأساطير، معتمدةٌ حصرياً على ما تتيحه العلوم الحديثة، خصوصاً علم الآثار والأنثروبولوجيا.

في كتابه "الجريمة المقدسة: الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني" (2012)، يقدّم سخنيني قراءة للمشروع الصهيوني، تقوم على تحليل بنيته الإبادية، إن في نشأته أو في غايته، أو صيرورته أو مخرجاته. فالمشروع الصهيوني هو مشروع كولونيالي/ استيطاني يقوم على عقيدة الإبادية.

ويعود في بحثه إلى جذور العقيدة اليهودية المتمثلة في الإله يهوه المنغمس بالدماء، والذي يأمر مريديه بسفك الدماء وإبادة غيرهم من بشر، وحيوانات أيضاً، كما يتناول خطاب الإبادة الصهيوني الذي يستعير أحكام الشريعة اليهودية لتسويغ الإبادة الجماعية التي ارتكبها، ولا يزال يرتكبها، ضد العرب الفلسطينيين، فالتطهير العرقي سمة أساسية من سمات الخطاب الصهيوني، مؤكداً أن عمليات التطهير العرقي التي مارسها، وكانت ممنهجة في نكبة عام 1948، اعتمدت على طرد السكان العرب من مدنهم وقراهم، ودمرت أماكن سكناهم، بعد ترويعهم بارتكاب مذابح جماعية.

وحول المجازر في تاريخ اليهود، أصدر أيضاً كتاب "مقاتل المسيحيين ـــ نجران 523 م والقدس 614 م" (2013)، الذي يسلّط الضوء على مجزرتي نجران والقدس المسكوت عنهما بفعل النسيان التاريخي الممنهج، مستعيناً بمجموعة من المصادر العربية والأجنبية التي ساعدته على تبيان تفاصيل الأحداث التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المسيحيين في الفترة الزمنية المدروسة، موضّحاً حقيقتين أساسيتيّن هما: الكراهية اليهودية للمسيحيين، والتأسيس لتاريخ مضاد لتاريخ المسيح.

يُذكر أن عصام سخنيني أصدر عشرات الدراسات والكتب؛ من بينها: "مملكة هرمز؛ أسطورة الخليج التجارية" (1997)، و"العباسيون في سنوات التأسيس" (1998)، و"عهد إيلياء والشروط العمرية – نموذج تطبيقي لاستخدام أدوات التفكيك في تصحيح التاريخ الإسلامي" (2001)، و"فلسطين والفلسطينيون، صيرورة تكوين الاسم والوطن والشعب والهوية" (2003).

إلى جانب كتاب "الإسرائيليات؛ مكونات أسطورية في المعرفة التاريخية العربية" (2004)، و"طبرية.. تاريخ موسوعي من إنسانها سنة 20 م إلى نهاية الانتداب البريطاني سنة 1948 م" (2009)، و"صراع المصالح النفطية وتأثيره في نشوء القضية الفلسطينية في بدايات القرن العشرين" (2013)، و"بحوث في التاريخ العربي الإسلامي – رؤية معاصرة للتاريخ (2013).

المساهمون