قُل لي ماذا ترتدي

قُل لي ماذا ترتدي

04 أكتوبر 2019
(مقطع من عمل لـ نبيل السمّان/ سورية)
+ الخط -

من بين القضايا التي اختلف حولها العرب في بداية القرن العشرين كانت قضيةُ الملابس أكثرها طرافة، ولعل المعركة حول الطربوش أم القبّعة كانت أكثرها دلالة على قوّة التقاليد من جهة، وضرورات التجديد من جهة ثانية في الحياة العربية. فقد تقدّم كتّاب معروفون مثل مصطفى صادق الرافعي للدفاع عن الطربوش، بينما كتب علي عبد الرازق في وداعه.

غير أنّ الملاحظ في تاريخ هذا الصراع أن الموضوع الرئيسي هو لباس المرأة، أو أنّ الموضوع الرئيسي في جوهره هو تحرّر المرأة، وكان الخلاف الذي تجسّد في النقاش حول ملابسها، بين المعارضين والمؤيّدين، هو: هل يحق لها أن ترتدي الملابس العصرية بعيداً عن إرادة الرجل أم لا؟

وكان الرجال الذين يشنّون حملات الرفض للباس الجديد يحقّقون غايتَين من الهجوم على ملابس النساء المختلفة، أو على أزيائهن، فمن جهة يريدون إعادة المرأة، أو استعادتها، من نطاق الحرية المحتمل أو الحقيقي، إلى بيت الطاعة. أي أن مضمون الهجوم فكري واجتماعي. ومن جهة ثانية يعلنون رفضهم للجديد والمتغيّر بسبب روح المحافظة التي تخشى من التبدّلات الكبيرة.

والغريب في أمر الصراع على الزيّ بين العرب إنما كان ينحصر بين نمطَين هما الزي التركي، والزي الأوروبي. وقد ساهم رجال من كل الديانات في هذه الحملة التي اتّخذت أحياناً طابعاً شديد القسوة ضد النساء، إذ يقول الخوري مارون غصن: "نظرة أيها القارئ الكريم إلى الشوارع والمجتمعات فترى ما يحمرّ منه محيّا الإنسانية ويندى له جبين الأدب. نساء متبرّجات، وفتيات مستفحلات، يخطرن في الطريق حاسرات الرؤوس"، ويطلب من الصحف والمجلّات والخطباء والوعّاظ أن يحملوا على هذا، ليدفعوا وباء الأزياء المؤدّية إلى خراب البيوت.

بل إن الخوري غصن نفسه يؤكّد أنّ هؤلاء النساء لا يصغين لأنين الأطفال، ولا إلى عويل الأرامل. في زمن كانت البلاد تعيش فيه ويلات الحرب. وكل هذا بسبب الأزياء الجديدة التي ارتدينها دون موافقة سلطة الرجال.

كانت التهمة الأخرى جاهزة وهي اتهام النساء بقلّة الحياء بسبب ذلك، وكان عري بعض الأجزاء من أجسادهن مناسباً لهذه التهمة، وإليكم ماذا يقول سلامة موسى ردّاً على هذه التهمة، وكان من الطبيعي أن يختار متنوّر مثله الوقوف إلى جانب الجديد: "لقد انهزمت التقاليد وفازت الحضارة"، وهو أكثر الكتّاب وضوحاً في شأن اختيار اللباس وأسباب مناصرته له: "أحثّ بني وطني على ارتداء القبّعة".

الأهم من ذلك هو مضمون دفاعه عن ملابس المرأة العربية الجديدة؛ إذ قال إن المتمدّنين لا يعتقدون أن قلّة ملابس المرأة برهان على قلّة الحياء. ولديه رأي جريء يقول فيه إن من الواجب "أنْ لا يبرح أذهاننا أنّ الإغراء الجنسي إنما يأتي من كثرة الملابس وليس من قلّتها".

كان المؤرّخ البريطاني ليدل هارت يقول إن إهمال النساء لأزيائهن دليل على اضطراب الحياة السياسية، وارتباكها، وبالعكس فإن انشغالهن به مؤشّر على استقرار الحال.

المساهمون