"الموسوعة المضادة": أفكار مختلفة للإحاطة بالمعرفة

"الموسوعة المضادة": أفكار مختلفة للإحاطة بالمعرفة

13 أكتوبر 2019
من أعمال عائشة بلوي
+ الخط -

يعبّر حضور مشاريع تأليف الموسوعات الكبرى على ازدهار الحياة الفكرية في سياق ثقافة ما، كما يعبّر عن درجة من التراكم المعرفي الذي يفرض على المشتغلين بالعلم والأدب والفن توفير فضاء لتخزين المعرفة أو على الأقل لتسهيل الوصول إليها. لكن مع انتقال إنجاز الموسوعات من المؤلفين كأشخاص إلى مشاريع جماعية وصولاً إلى الموسوعات الإلكترونية والمفتوحة، تغيرت معالم هذا الشكل المعرفي بقوة وبات من الضروري مراجعة مسلّماته.

لقد فرض ما يُعرف بالانفجار المعرفي ظهور تفكير في الموسوعات وطرح أسئلة جديدة عليها: هل يمكن لموسوعة، أي موسوعة، أن تستوعب حجم المعرفة المتراكم والمتضخّم اليوم؟ هل يمكن للموسوعات أن تكون فاعلة في تجسير الهوة بين الثقافات، خصوصاً بين ثقافات اللغات الأوروبية الأساسية، وبقية ثقافات العالم؟ إلى غير ذلك من الأسئلة.

قد يظن البعض بأن التفكير في مثل هذه الأسئلة يهتم به المختصون والمعجميون غير أن الأمر بات يمتد إلى فضاءات أخرى متعددة، ومن ذلك تجربة "الموسوعة المضادة" التي أطلقها جماعة "بابييه ماشين" (الورق-الآلة) البلجيكية، والتي تضمّ باحثين في العلوم الإنسانية وفنانين تشكيليين، يشتغلون على تقديم أطروحات مختلفة عن السائد حول المعرفة في العالم، ومن ذلك تجربة "الموسوعة المضادة" التي تحاول أن تعود إلى نموذج الموسوعة الشهيرة لديدرو في عصر الأنوار وتعيد تركيبها، فإذا كانت الأولى تبحث عن المتخصصين ليكتب كل واحد عن مجاله فإن الثانية تدعو لكتابات متقاطعة لا تدعي احتكار المعرفة، وفي حين أن الأولى تحاول أن تضمّ كل المعارف في كتاب فإن الثانية تصرّح باستحالة الأمر وتنشئ نصوصها بناء على ذلك.

صدر المجلّد صفر من "الموسوعة المضادة" في 2017، في مدينة شارلوروا البلجيكية، فيما صدر مؤخراً الجزء الأول في الدار البيضاء، وجرى إشهاره في "المعهد الثقافي الفرنسي" في الدار البيضاء، كما أن نفس الفضاء يحتضن تقديماً له ضمن معرض يتواصل حتى التاسع من الشهر المقبل.

خيار المغرب لإطلاق المجلد الجديد لم يكن من فراغ حيث أن الرسومات التي يقترحها من وضع الفنانة المغربية عائشة بلوي، فيما كتب نصوص المقالات كل من: فالنتين بونومو، ولوسي كومب، وراوول ألدوين.

لعلّ إطلاق هذا التجربة الفكرية-الفنية في مدينة عربية يدعونا اليوم إلى التفكير في واقع الموسوعات في بلادنا، فهي فرصة لتخطّي التأخر المعرفي، كما أنها في الوقت نفسه يمكن أن تكون عاملاً من عوامل كسر المركزيات والسرديات السلطوية، وهو ما نستشفّه من مشروع "بابييه ماشين" وموسوعتهم المضادة.

المساهمون