إيرفينغ بِن: الصور المتبقّية من السحر

إيرفينغ بِن: الصور المتبقّية من السحر

24 يناير 2019
من أعمال بن
+ الخط -

يُعرَف المصوّر الأميركي إيرفينغ بِن، عادةً، بأنه فوتوغرافي متخصّص في الأزياء، بل إنه أحدث ثورة في هذا المجال، بأسلوبه المغاير ومزاجه البصري؛ حيث تصدّرت الصور التي التقطها عبر السنوات أغلفة أبرز المجلات العالمية، وربما يكون من أوائل المصوّرين الذين تجاوزت أعمالهم صفحات مجلّات مثل "فوغ"، لتجد مكاناً لها في أروقة الغاليريهات، وأيضاً في متاحف الفنون الحديثة في مدن مختلفة.

حالياً، يُقام في "مركز مينا للفنون" ببيروت، معرض يقف عند مجمل تجربة بن (1917 - 2009) تحت عنوان "لا مكترث"؛ حيث افتتح الأسبوع الماضي ويتواصل حتى 29 نيسان/ أبريل المقبل، ويُعدّ المعرضَ الأولَ عربياً الذي يلتفت إلى تجربة المصوّر الأميركي.

وفقاً لبيان المعرض، فإن مجموعة الأعمال المقدّمة، والتي تضمّ خمسين صورة، تمثّل نسخة محدّثة من معرض "ريزونونس"، الذي نظّمته "مؤسسة بينو" في "قصر غراتسي" بالبندقية عام 2014. أُنجزت الأعمال بتقنيات مختلفة من الطباعة البلاتينية، والفضّة الجيلاتنية، والطباعة بالصباغ المنقول. أمّا الصور، فتختلف بتنوّع المواضيع التي كانت عدسة بن تهتم بها، من المهن الصغيرة والبورتريهات والطبيعة الصامتة وهياكل الجماجم والمجتمعات العالمية وغيرها.

كان الفوتوغرافي قد بدأ التصوير في ثلاثينيات القرن العشرين، وكانت محاولاته الأولى كلّها تنصبُّ حول مشاهد الجنوب الأميركي، حيث صوّر الناس وأعمالهم وحياتهم اليومية، ثم انتقل بعدها إلى تصوير العارضات والفنّانين والمشاهير الذين كانوا يشكّلون الحياة الفنية والثقافية في نيويورك، وبدأ يصبح هو أيضاً من المشاهير بفضل موهبته اللافتة في التصوير.

ومثلما كان موهوباً في التقاط تلك الصور، كشف عن عين استثنائية تلتقط الطبيعة الصامتة، إذ نجده يتلقط صورة لبيضة مكسورة أو لآنية منزلية. وفي مرحلة تالية، انتقل إلى صور أكثر جرأة وغرائبية، مقترباً من مزاج السريالية أحياناً والمينمالية أحياناً أخرى، لنرى في صورة له وجهاً نصفه ماء، أو شفتين تقف عليهما نحلة، أو صورة قريبة جدّاً لفم ملطّخ بألوان مختلفة من أحمر الشفاه.

يُتيح معرض "مينا"، وهو من تنسيق القيّم ماثيو هيومري، للمتلقّي أن يرى كل هذا التعدّد في تجربة بن، تلك التي وصفها مرّة بأنها "كلها شيء واحد". يقول هيومري: "كان بن، في المقام الأول، مصوّر استديو. فصوره ذات الخلفيات الورقية أو القماشية أو الجدران العارية، اعتُبرت وعاءً مكانياً، رسمياً وانعزالياً، في الوقت نفسه. وسواء عبر تصويره الأزياء الرفيعة أو الطبيعة الصامتة أو الإثنوغرافيا أو "تذكرة الموت" أو ما يعرف بـ "مومنتو موري"، فإن الصور كلها تقيم هنا خارج سياقها، مكثّفة ومتطلّبة وتستدعي الانتباه".

ويضيف: "قام بن بتصوير عمّال المهن الصغيرة، ومنهم عمّال الفحم والصرف الصحي وتجّار السمك (...) وطلب منهم الوصول إلى الاستوديو بملابس عملهم حاملين أدواتهم. وفيما لبّى الباريسيون طلبه متشكّكين، استجاب عمّال لندن بفخر، أمّا الأميركيون فبعضهم حضر بثياب "يوم الأحد"، كما لو أنهم يستعدون لتصوير في هوليود. وفي 2008، أشار بن إلى هذه اللقاءات واصفاً إياها بـ"الصور المتبقّية من السحر".

لـ بن أيضاً مجموعة من الصور المعنونة "يدا مايلز دايفيس"، ويقول عنها القيّم: "تُعتبر هذه المجموعة من بين أهمّ صور بن الأيقونية. التقط بن يَدي الموسيقي كما لو أنها طبيعة صامتة وبورتريه معاً؛ فالدقّة التي يوليها للتفاصيل وتصويره لها من الزاوية الأمامية يكشف عن جوهر الموضوع السحري، فتبدو الصور للوهلة الأولى كأنها تجريدية، لكنها في الحقيقة تعكس حيوية شخصية صاحبها".

دلالات

المساهمون