ذكرى ميلاد.. يحيى حقي ورؤية مبكرة في الاستبداد

ذكرى ميلاد.. يحيى حقي ورؤية مبكرة في الاستبداد

17 يناير 2019
(يحيى حقي)
+ الخط -
ارتبط اسم الكاتب المصري يحيى حقّي (1905 – 1992) الذي تمرّ ذكرى ميلاده اليوم، بروايته الشهيرة "قنديل أم هاشم" التي كانت ضمن المقرّرات الدراسية في المرحلة الثانوية في عدّة بلدان خلال فترات مختلفة، وظلّت توضع ضمن قائمة أفضل الروايات العربية التي صدرت في القرن الماضي.

الرواية التي صدرت عام 1940، نظر إليها النقاد من زاوية الصراع الذي تعيشه الشخصية الأساسية بين قيم الحداثة والتغريب وبين العادات والتقاليد، ويجسدّها إسماعيل الذي عاد من الدراسة في الغرب متخصّصاً في طب العيون، فيصطدم بمعتقدات وخرافات شعبية مع أبناء حي السيدة زينب حيث يسكن، كما تناولت إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب والتي شكّلت محوراً ثانياً العمل.

بدت رؤية حقّي توفيقية إلى حد بعيد في مقاربة معضلات أساسية في الثقافة العربية، خاصة مع إجهاض مشاريع فكرية وسياسية كانت تطمح لتحقيق نهضة كبرى، حيث انقطع صلة البطل مع الواقع وأصبح معزولاً من المجتمع، ثم انقلبت الصورة عندما اقترب من الناس وهمومهم وبات مؤمناً أن التغيير لا بأتي بالعنف والإجبار.

الرؤية ذاتها قدّمها بمعالجة وشكل مختلفين في عمل آخر له بعنوان "صح النوم" صدر عام 1954، لكنها لم تحظ بالانتشار ربما لأنه قدّم أفكارها بأسلوب رمزي فلسفي ينزع نحو التأمل بما يتناسب مع موقفه المعارض لحركة الضباط الأحرار عام 1952، وكان من الصعب أن يناقش طروحاته حيالها على نحو مباشر.

تحدّث حقّي في روايته (التي تتكوّن من متتالية قصصية) مكان لم يحدّد الجغرافيا التي ينتمي إليها وشخصيات لم يسمّها، حيث يروي أحداثاً تقع في قرية منسية نائية ولا صلة تربطها بالمدنية والتحديث، حتى مرّت منها سكّة الحديد الذي سيقسم الأرض والناس بين فريق مؤيد لها وفريق يرى فيه الخطر الذي يحدق بهم.

يأتي القطار الذي يمثّل العهد الجديد فينطلق أهل القرية إلى العمل في المحطة بعد أن عاشوا دهوراً من الكسل، فتتغير قيم الحياة جميعها ويتدافع الناس وراء إغراءات السلطة التي يبدؤون بالنفاق لممثلها وهو رئيس البلدية الذي تمتزج شخصيته بين النبل والوطنية والقسوة والغلظة والحزم، لكنه في النهاية يسكت عن الظلم والفساد والنفاق له ليل نهار.

رغم مواربته وعدم إفصاحه عن مكان "صح النوم" والوقائع التي شهدتها، لكنه كان يقرأ الواقع المصري في لحظة سيطرة الجيش على الحكم، ورأى ما رآه بعد سنتين على وصولهم، وربما لم تجتذب تلك النبوءة الملايين الذي حلموا بالتغيير ولم يصحوا من أحلامهم إلا مع نكسة حزيران.

في كتابات أخرى، يبرز أكثر أسلوبه التهكمي الحاد ونظرته القاسية تجاه المجتمع وتحوّلاته، وانتقاداته القاسية للأوضاع السياسية، ويبدو لافتاً أن صاحب "البوسطجي" لم يأت من طبقة الفقراء والمهمّشين الذين خذلتهم الأنظمة المتعاقبة، إنما من طبقة كبار الموظفين في العهد الملكي والذي تدرّح في سلك الوظيفة وعرف خفايا السلطة ومزالقها.

المساهمون