"الأنا الأخرى" لمريم سمعان.. مصائر من لا أرض تحتهم

"الأنا الأخرى" لمريم سمعان.. مصائر من لا أرض تحتهم

12 يناير 2019
من ملصق المسرحية
+ الخط -
يواجه الفنانون السوريون المهاجرون اليوم سؤالاً حول ما ينبغي فعله؛ العودة إلى سورية والعمل منها على صعوبة ذلك واستحالته بالنسبة إلى كثيرين، أم التوجه إلى مخيمات اللاجئين وتكريس فنهم لخدمة المجتمع اللاجئ، أم البقاء في المنافي وممارسة الفن أياً كان موضوعه من حيث يعيشون مهاجرين أو لاجئين.

المخرجة المسرحية الفلسطينية السورية مريم سمعان ممن درسوا السينوغرافيا في معهد الفنون المسرحية في دمشق، وسافرت إلى فرنسا عام 2009 حيث تابعت دراسات متخصصة أكثر في المسرح، ثم عادت إلى بيروت لتعمل بدعم من عدة فرق وجهات مختلفة في المسرح، وبالتحديد يشغلها مسرح الدمى وكذلك الصورة.

"الأنا الأخرى" عمل أدائي صامت لسمعان يقام بدعم من فرقة "إيد واحدة"، ويتواصل عرضه في مسرح "دوار الشمس" في بيروت حتى مساء الغد، والمؤدي الرئيسي هو الممثل الشاب حسين الحسن.

تصف المخرجة العمل بأنه "معرض تركيبي يتخلله عرض أداء مسرحي باستخدام الدمى في محاولة لمحاكاة "الأنا الأخرى"، وقد قامت بتصميم وعمل الدمى نفسها. وتقول في حديث إلى "العربي الجديد" إنه عرض عن "المصائر المعلقة للناس الذي يعيشون حالة اللجوء المكثفة، بشر اقتلعوا من أمكانهم وجذورهم وهم الآن كأنما لا أرض تحتهم".

اشتغلت سمعان 82 دمية غير متشابهة، إنها تحاكي الحشود التي نراها في الصور وتبدو لوهلة كتلة واحدة متشابهة، لكن لو اقتربنا من الصورة أكثر لوجدنا أفراداً مختلفين، إنهم ليسوا كتلة متسقة أبداً، لكنهم تحوّلوا مع الكارثة إلى أرقام.

تبدو دمى سمعان بحد ذاتها أعمالاً فنية، أقرب إلى المنحوتات، أجساد مفصلة ناحلة وتظهر كما لو كانت جثثاً أحياناً، وأحياناً كما لو أنها مشاريع أجساد لم يكتمل تكوينها ولم تظهر ملامحها الأخيرة، أو يمكن القول إنها لا تمثل بشراً بل مخلوقات ثمة من انتزع منها حقها في إنسانيتها.

تبيّن سمعان: "في الظروف القاسية يصبح الإنسان قاسياً على نفسه، وفي العرض سنرى الممثل والدمى كـ "أنوات" كثيرة أحياناً تعكس الممثل نفسه وأحياناً يعكسها هو".

السينوغرافيا البسيطة مؤثرة إلى حد كبير، يظهر فيها الممثل اليافع يرتدي السترة ذات القبعة التي تظهره مهاجراً يختفي تحت قبعته أو مراهقاً متمرداً يبحث عن ملاذ داخل ملابسه. ثمة دمى صغيرة منتشرة على أرض المسرح وأخرى معلقة على حاجز خشبي.

في ملصق العرض يظهر المؤدّي مستلقياً في الاستوديو الأسود، والدمى تنتشر حوله صغيرة وضئيلة، الدمى/ الضحايا مرمية تحيط بالممثل ليشكلان معاً عنصرين يكونان تجهيزاً فراغياً، يجمع الحي بالميت، الدمية بالإنسان، الناجي بالضحية، الضحية بالضحية المستقبلية، الأنا بالأنا الأخرى.

"يركز العرض على الجانب البصري بشكل رئيسي لتجسيد صور مرّ بها السوريون ولحظات عاشها أفراد سلبوا إرادتهم وكرامتهم، تشكّل في إحدى تجلیاتها تعریة للنفس الإنسانیة وقیمها في خضم الصراع على البقاء" تبين سمعان.

عبر عوالم متخيلة يسعى عرض الأنا الأخرى إلى سرد حكايا واقعية لبشر يعيشون بلا لغة، حيث لا يسمعهم أحد وليس لصوتهم وزن مؤثر، إنهم شخصيات ساكتة ومسكوت عن ألمها. أو قد يكونون مجرد موتى لم يعد لهم لغة يخاطبوننا بها.

يشارك في العرض عبد العزيز العائدي الذي نفذ خيال الظل والتصوير والفيديو أما الموسيقى فألفها الفنان كنان عظمة.

تلجأ سمعان إلى الدمى التي تعتقد أنها أداة للتغيير، وقد أنجزت للتو مع مؤسسة "اتجاهات" بهذا الخصوص، بالنسبة إليها فإن صناعة الدمى هو صناعة الحكاية، ومن خلال بحثها رصدت التغيرات في سلوك الأطفال التي تحدث من خلال المشاركة في مسرح الدمى.

المساهمون