ركن المصمّم: مع حسين الشحات

ركن المصمّم: مع حسين الشحات

01 يناير 2019
(حسين الشحات)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع مصمم غرافيك في أسئلة سريعة حول خصوصيات صنعته ومساهماته في الثقافة البصرية العامة للإنسان العربي.


■ كيف بدأت حكايتك مع التصميم الغرافيكي أو كيف أصبحت مصمّماً؟
بدأَت مع دخولي "كلية الفنون" سنة 1984 بعد عام من تخصّصي في التصميم المطبوع. أحببتُ فنّ الحفر ومعالجات التصميم بالأبيض والأسود على أسطح الخشب والجلد ومعدن الزنك. بعد تخرُّجي، عملت في "المعهد الفرنسي للآثار" رسّاماً علمياً في الحفريات، وهو ما أعطاني فرصة نادرة لتحصيل بصري غني من موروثاتنا الحضارية والفرعونية التي قدّمها هؤلاء الأجداد بصورة تجعلهم روّاداً في جميع الفنون، أصبحتُ ممارساً للفن الغرافيكي عند التحاقي بالعمل مع مؤسّسة ألمانية بمكتبات مصر، وكنتُ مؤسّس قسم الغرافيك فيها. وقتها، كان التنوُّع والكم الطباعي والتصميمي المطلوب منّي كثيفاً، ما أكسبني خبرات بداية الطريق، كان أهمّها في هذه الفترة تكليفي بإخراج كتاب لعالم الآثار زاهي حوّاس بعنوان "سيّدة العالم القديم".


■ هل تعتقد أن هناك لغة أو هوية تصميمية عربية خاصة، تعكس ثقافات وهوية المجتمعات العربية اليوم؟
ليست هناك هويّة محدّدة يمكن أن نلاحظها في التصميمات العربية، أو يختصّ بها بلد دون غيره. ولكن للمصمّم أدواته وعناصره المكوّنة لهويته التي يمكنه أن يستخدمها أو يضيفها إن شاء. في التصميم الغرافيكي يصعب أن نلاحظ هذه الهوية، خصوصاً مع ظهور شبكة الإنترنت وحدوث ثورةٍ معلوماتية؛ حيث أصبحَت الحدود والفواصل الإقليمية منعدمةً؛ بحيث باتت الثقافات تشاهد بعضها بعضاً عن قرب وبسرعة متناهية.


■ هل يمكن تشبيه التصميم بالعمارة، بمعنى أننا نسكن اليوم في فضاء يصنعه المصممون؟
نعم يمكن عقدُ هذا التشبيه، لأن التصميم يمرّ بالمراحل المعمارية نفسها، وأيضاً لأن ما يصنعه مصمّم الغرافيك مرئي في كل مكان: الصحيفة والكتاب والشارع والتلفاز وغيره. إذاً، هو يصنع عالماً له ملامحه البصرية التي تُؤثّر على من حوله في المجتمع.


■ كيف تنظر إلى التصميم الغرافيكي، هل تعتبره فناً أم صنعة ولماذا؟
من يمارس التصميم الغرافيكي، والفن عموماً، لا بدّ أن يمتلك أدوات الفن والصنعة. ولكن المقادير والنسب هي ما تخلق الفوارق الإبداعية؛ فالفنّان إن لم يُتقن أدواته، لن يُنجز عملاً جيّداً.


■ ما هي أبرز التحديات التي تواجه عملك كمصمّم؟
إرضاء العميل بذوقك الفني هو من أصعب التحدّيات. أحياناً، تهدم التدخُّلات التجارية والحسابات التسويقية القيمة الفنّية للعمل.


■ المسؤولية الاجتماعية للمصمّم، كيف تراها؟
أراها مهمّةً ومسؤوليةً أخلاقية لإضافة بصمة فنّية في المجتمع الذي نعيش فيه... في الشارع والمكتب. حتى الحارة نستطيع أن نجعلها نظيفة بما يكفي لأن تكون حياتنا كريمة، وذلك برفض الاعتداءات البصرية ومظاهر القبح، ورفض فرض كل ما هو دون المستوى على عيوننا وعيون أطفالنا.


■ كيف تُعلّق على غياب ظاهرة المصمِّم الملتزم بقضايا مجتمعه واكتساح ظاهرة المصمّم التجاري، أو ذلك الساعي الى العمل لصالح المؤسّسات الاقتصادية والفنية الكبرى؟
هي ظاهرة سلبية وقديمة تنمّ عن سلوك أناني نهت عنه جميع الأديان السماوية والمواثيق الإنسانية؛ لأنه يُغلّب المصلحة الشخصية على المنفعة العامة. ليس العمل لدى المؤسسات الاقتصادية بالأمر الذي يُلام عليه المصمّم، إلّا إذا قدّم تصاميم دون المستوى أو فيها إنقاص للقيمة الفنية من أجل زيادة الكسب، لأنه في المجمل سيزيد من القبح البصري وهو ما لم نعد نحتمله.


■ ماذا أبقت برامج التصميم الإلكترونية للعمل اليدوي، مقارنةً بالسبعينيات والثمانينيات مثلاً؟
إذا أردتَ إجابةً صريحة: لم يعد هناك مجال أو تخصّص لم تطرقه البرامج الإلكترونية. ولكن في نظري أن الموهبة والمقدرة الفنية ستظل هي الفاصل الأساسي للتفرّد، وحتى هذه البرامج أَوجدت أدوات وأقلاماً إلكترونية لمن يريد التمتّع بإحساس الرسم اليدوي، فصنعوا لوحات وأقلام "الواكوم" الرقمية، ولا شك في أنها قطعت مسافات في الدقّة والتباين اللوني والسرعة في التنفيذ لم تكن متاحة من قبل، مع فارق القيمة الفنّية للعمل اليدوي الثمين.


■ كيف تُقيّم تعليم التصميم الغرافيكي في الجامعات العربية؟ نَلحظ غياب معاهد خاصّة بالتصميم وحتى نقصاً في كليات التصميم، ما السبب في رأيك؟
معك كل الحق. من وجهة نظري، ما زلنا نسير في مسافة بعيدة عن تدريس الغرافيك في الخارج؛ ففي "كلية الفنون الجميلة" درست الحفر والتصميم المطبوع وكانت الدراسة رائعة كفنّان حفّار وتشكيلي. وبالفعل، عملت وأنتجت لسنوات عدّة، ولكن الدراسة ليس لها علاقة بمتطلّبات السوق الواقعي، وليست هناك تخصّصات لفن الكتاب بجميع تفاصيله وأنواع الخطوط وتصميمها وتصميم الغلاف، ولو أنه موجود بصورة بسيطة في بعض الجامعات الخاصة كالجامعتين الأميركية والألمانية في القاهرة. لذا يجب أن نرى الأكاديميات الدولية وطرق وورش العمل بها، وليس صعباً تنفيذ ومحاكاة هذه النظم والاستفادة منها.


■ ما هو آخر تصميم قمت به؟
تصميم صفحات لمجلّة "البيت" للديكور والفنون؛ وهي مجلّة شهرية تُعنى بفنون العمارة الداخلية والفن التشكيلي والتراث.


■ هل هناك تصاميم قمت بها وتندم عليها؟
كلّ إنسان عندما يراجع أعماله بعد فترة طويلة، يشعر أنه تطوّر وأنه كان بإمكانه تقديم الأفضل. ولكن الندم خطأ لأن التجارب هي التي تخلق التطوُّر وبناء خبرات تراكمية يستند إليها المصمّم في رحلته البصرية.


■ يوصف المصمّمون بأنهم أصحاب شخصيات "صعبة" و"زئبقية" أي يصعب التعامل معها.. هل توافق على هذا وما هو تفسيرك، وما هي نصيحتك أخيراً لمن يتعامل مع مصمم؟
أتّفق معك. وأعتقد أنه كلّما كان المصمم متمكّناً ومتميّزاً ستجد عنده هذه الصفة، وذلك ليقينه بفكرته ورؤيته عمّا سيخرج عليه العمل، فيكون على درجة من الحذر من أن يغيّر أحد تصميمه أو يضيف إليه، لأن ذلك يضر باسمه وبقيمة العمل الفني. أما من ناحية "الزئبقية"، فهذا وارد، ولكن من وجهة نظري، هذه الصفة يمكن أن نجدها بصورة عامة دون ربطها بالمصمّم، وقد قابلت منهم كثيراً ومنهم روّاد أعمال وإعلام ومجتمع.


بطاقة
مصمّم غرافيك من مواليد القاهرة سنة 1965. تخرّج من "كلّية الفنون الجميلة" سنة 1988. تخصّص في الغرافيك المطبوع (الصورة من أعماله) وإخراج الكتب منذ 1996؛ حيث أخرج العديد من المجلّات والكتب لعدد من دور النشر والمؤسّسات، أبرزها "المتحف المصري و"المتحف الإسلامي".. يعمل حالياً في "مؤسّسة الأهرام" التي التحق بها سنة 2000، إلى جانب عمله مديراً فنّياً لمجلّة "فنون بصرية" منذ تأسيسها في 2004.

دلالات

المساهمون