"مسافر ليل": السلطة كمأزق مزدوج

"مسافر ليل": السلطة كمأزق مزدوج

06 سبتمبر 2018
(مشهد من المسرحية)
+ الخط -

تُعدّ مسرحية "مسافر ليل" من بين أشهر مسرحيات الشاعر المصري صلاح عبد الصبور (1931 - 1981)، وقد كُتبت عام 1969 وتم عرضها لأول مرة على "مسرح الطليعة" عام 1971 بإخراج من نبيل لطفي وبطولة عبد الله غيث، ثمّ تكرّر عرضها مراراً وجرت إعادة إخراجها في مصر وفي بلاد عربية أخرى.

مؤخراً، قُدّمت المسرحية بقراءة المخرج محمود فؤاد صدقي، والتي يتواصل عرضها في "مركز الهناجر" في القاهرة حتى التاسع عشر من كانون الأول/ ديسمبر، وأدّى أدوارها كل من علاء قوقة ومصطفى حمزة وجهاد أبو العينين. لكن الإخراج الجديد للعمل، المفرط في نزوعه الكوميدي، جعلها أضعف بكثير من التجارب السابقة في إخراجها للخشبة.

تدور أحداث هذا العرض داخل عربة قطار تتسع لستين متفرجاً، كما تم تقديم دليل العرض على شكل تذكرة قطار لإشراك المشاهد في صناعة الحدث المسرحي، وبهذا يصبح متلقياً إيجابياً، ونفّذ الديكور الذي يُطلق عليه "مسرح الشارع"، ويعدّ الأعلى تكلفة في تاريخ إنتاج مسرح الهناجر.

اختار صلاح عبد الصبور أن يكتب "مسافر ليل" شعراً، وقد سُئل حول هذا الخيار، فأجاب بأن "المسرحية ظلت تُكتب شعراً عمرها كله، في ما عدا القرن الأخير"، معتبراً بذلك مسرحه محاولة للعودة إلى النبع الذي انحدرت من المسرحية.

ويشير عبد الصبور إلى أن ما أتاح لها تلك العودة هو "ذلك التغيير في مفهوم كلمة الشعر، إذ لم تعد كلمة مرادفة للنظم، بل أصبح هناك بين الشعر والنظم مباينةٌ أعمق من المباينة بين الشعر والنثر، لأن الخلاف بين الشعر والنثر خلاف شكلي، أما الخلاف بين الشعر والنظم فهو خلاف في الرؤيا والاقتراب والتحقيق".

هذه الأفكار حول المسرح الشعري التي كان عبد الصبور منشغلاً بها ينبغي لها أن تضيء التناول الإخراجي لأعماله، فلا يمكن بحال أن نقرأ مسرحه، أو أن نشاهده، بمعزل عن خيار الكتابة الشعرية.

ينطلق العرض بصوت عربة قطار، نشاهد داخلها، بالأحرى في أحد أركانها، مسافراً جالساً، يبدو متململاً من هيئته وطريقة جلوسه المتغيّرة، وتأمله لسقف العربة كل حين. إنه مسافر عاديّ، يمكن أن يحلّ محلّه أي شخص، لأنه "نموذج للإنسان بلا أبعاد" بحسب وصف عبد الصبور له في نص المسرحية.

بعد هذا المدخل، ينهض الراوي، وهو أحد شخصيات المسرحية، ويبدأ بوصف حال المسافر. يحاول في البداية استكشاف ماهيته متفحّصاً هيأته وثيابه، ليصل إلى "عاديته" التي نفهم من خلالها أنها تعني الجميع. بعد ذلك، ينتقل الراوي إلى وصف مزاج المسافر فيعتبره ضجراً "يسافر في آخر قاطرة ليلية نحو مكان ما، ويعدّ عواميد السكة" ثم ينقله الضجر إلى ذاكرته وخياله اللذين يستدعيهما لتمرير الوقت والهروب من الواقع أو بؤسه.

هنا، يتصاعد إيقاع المسرحية، إذ يُخرج المسافر من جيبه لفافة دوّن عليها بحروف بارزة بضعة أسماء لشخصيات تاريخية: الإسكندر، هتلر، هنيبعل، جونسون. ومع ترديد المسافر لأسماء هذه الشخصيات، يبدأ الراوي بإيضاح أن من الممكن استدعاء شخصيات من الماضي، وينوّه قائلاً بأنه "خير لنا أن ننسى الماضي، حتى لا يحيا في المستقبل".

لكن المسافر يستمر باستدعاء هذا الماضي، من خلال تكراره لاسم الإسكندر، والذي يتمثل له في صورة عامل التذاكر، فعامل التذاكر هنا، حتى بسلطته المحدودة، هو إسكندرٌ أيضاً، وذلك هو السؤال الإشكالي الذي تثيره بقية المسرحية، وربما هو السؤال الذي أراد عبد الصبور أن ينقله إلى متلقيه، ومن بعده من تناولوا "مسافر ليل" بالإخراج.

المساهمون