أكرم زعتري: أشغال أركيولوجية

أكرم زعتري: أشغال أركيولوجية

27 سبتمبر 2018
(من نيغاتيف الصور التي اشتغل عليها في "النافذة الثالثة")
+ الخط -

الصورة بوصفها الموضوع وليست الوسيط، كانت محور المحاضرة التي ألقاها الفنان اللبناني المعاصر أكرم زعتري في جمعية "أشكال ألوان" في بيروت، مساء الجمعة الماضي، وهي أيضاً موضوع كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان "ضد الصورة"، إذ يتحدث الفنان عن تجربته في "مؤسسة الصورة العربية" التي أسسها عام 1997.

تتزامن المحاضرة كذلك مع معرض زعتري الحالي في غاليري "صفير زملر" في بيروت بعنوان "النافذة الثالثة"، والمتواصل حتى الخامس من كانون الثاني/ يناير 2019.

انطلق زعتري في محاضرته من صورة نهلة هيدوس، فتاة كانت في الخامسة عشرة من عمرها حين استشهدت في مجزرة قانا (1996). كانت عائلتها قد استخدمت صورة هويتها وهي في ذلك العمر، لتضعها على شاهدة قبرها، ثم قامت العائلة بتغطية شعر الشهيدة بالورود لأنها لم تكن محجبة في الصورة، تلك الصورة ستعرض في عدة معارض حول شهداء قانا، ثم يقوم زعتري بوضعها في إطار وبتركيب صور للورود على شعرها، وستستمر الصورة في تحولاتها كما لو أنها تعيش حياة مستقلة عن صاحبتها الراحلة، ثم ستحمل رقماً لتدخل في أرشيف "مؤسسة الصورة العربية".

بالنسبة إلى زعتري، فإنه يستخدم تعبير "النافذة الثالثة" ليشير إلى استنساخ الصور عدة مرات، وفي معرضه الحالي يعود إلى بعض مقتنيات المؤسسة من صور التقطت في القرن التاسع عشر، حين كان خيال المصورين يظهر في الصورة التي يجري التقاطها للعائلة أو الأشخاص أو الموضوع الذي أمام الكاميرا حيث كان هؤلاء يقفون وخلفهم الشمس أثناء التقاط الصورة، فقام زعتري بإعادة تصوير ظلال المصورين، ليتحول بذلك انتباه المتلقي من الشخصيات الرئيسية في الصور إلى الظلال الفرعية أو الهامشية مثل المصوّر في هذه الحالة؛ من ذلك صورة التقطها عثمان حمدي بك عام 1887 في صيدا لمجموعة من الأشخاص.

يسترجع زعتري أيضاً صور الفوتوغرافي الفلسطيني خليل رعد (1854-1957)، ويقارن بينها وبين صور للفوتوغرافي الصهيوني ياكوف بن دوف، وكلاهما كانا في القدس في الفترة نفسها، لكنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين، يلتقطان صوراً لتلك الحقبة من ناحيتين متعاكستين.

توقف الفنان أيضاً عند لحظة أيار/مايو 1948، وبالتحديد عند صور المصور الفوتوغرافي أنتركانك بيكرجيان الذي كان يلتقط صوراً لأصدقائه في المناسبات الخاصة والدينية، ثم يرصد ذلك التغير الكبير في صوره بعد أن بدأ في توثيق لجوء العائلات إلى دير الأرمن.

الصور التي حصل زعتري على الـ "نيغاتيف" الخاص بها تعرض اليوم في "صفير زملر" لا ليحكي عن مضمونها، بقدر ما يحكي قصة الصورة نفسها، تحميضها وتآكلها ونوع الفيلم، ومعنى أن تعرض هذه الصور اليوم.

انتبه صاحب "مجنونك" أيضاً إلى مصور آخر هو أنترانيك أنوشيان، الذي كان يعيش في طرابلس في الأربعينيات، وبعد العثور على نيغاتيف مجموعة من صوره واقتنائها من قبل المؤسسة اختار زعتري صوراً للاشتغال عليها، ضمها معرضه الحالي أيضاً، وتمثل الجنود الفرنسيين في طرابلس.

كذلك تطرق المحاضر إلى تأسيس "مؤسسة الصورة العربية" وصعوبة التوصل إلى طريقة للأرشفة، إذ إن كل المؤسسات التي تعاون معها لفهم طريقتها في الأرشفة لم تكن تلتقي مع فكرة المؤسسة وهدفها وما تضمه من صور وتسعى إلى اقتنائه، لذلك كان لا بد من ابتكار طريقة للتصنيف لا تشبه تصنيف الوكالات للصورة.

يرى الفنان أن الصورة ليست صامتة ولا تاريخية فحسب، بل إنها تتفاعل مع الزمن ومكان العرض وطريقته وغرض العرض، فالصورة التي في هوية نهلة هيدوس ليست نفسها التي على شاهدة قبرها وليست تلك التي عرضت في المعرض وليست تلك التي وضع لها إطار ذهبي وليست تلك التي ستستخدمها الصحافة عند الكتابة عنها.

إن كان المعرض يخص عمل زعتري الفنان والمخرج، وفرضيته عن تحولات الصورة بوصفها شيئاً تفاعلياً يتبدل تلقيه وقيمته مع الوقت، فإن المعرض هو أيضاً حكاية لتاريخ الاقتناء في "مؤسسة الصورة العربية" ومن خلال تتبع حكاية كل نيغاتيف والاشتغال عليه فإننا نتقدم في معرفة تاريخ لحظة ما، وكيف يمكن استقباله اليوم.

دلالات

المساهمون