ركن المصمّم: مع ريان عبد الله

ركن المصمّم: مع ريان عبد الله

25 سبتمبر 2018
(ريان عبد الله)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع مصمِّم غرافيك في أسئلة حول خصوصيات صنعته ومساهماته في الثقافة البصرية العامة.


■ كيف بدأت حكايتك مع التصميم الغرافيكي أو كيف أصبحت مصمّماً؟
كان والدي يراني دائماً أرسم وأخطّط، فيقول لي: "يا ولدي، افعل شيئاً يفيدك ويفيد بلدك... اعمل ميكانيك أو أي شيء يجيب فلوس!"؛ فقد كان مقتنعاً بأن الفن كمهنة لا يؤمّن العيش. لذا، درستُ في البداية هندسة الميكانيك الدقيق في العراق، تلبيةً لرغبته وحبّاً فيه. بعد ثلاث سنوات، حصلت على شهادتي وهاجرت.

ومن هنا كانت بدايتي مع التصميم، وهي بدايةٌ مختلفة جدّاً، ففي الموصل، حيثُ وُلدت ونشأت، لم يكن ثمّة قسم خاص بالتصميم، إنما بالفنون بشكل عام. بدأت مع الرسم والتخطيط اليومي. وبعد فترة، اكتشفت أن هناك أشياء جميلةً وقريبة من الواقع فاتجهت إليها. في البداية، اهتممت بالتصميم والعمارة، ثمّ ركّزتُ فقط على التصميم؛ لأن كل ما حولنا من منتجاتٍ هو من إخراج مصمّمين. هذا الوعي التصميمي تبلور أكثر عندما عرضت أعمالي لأوّل مرّة على أساتذة لجنة القبول في جامعة الفنون الجميلة في برلين والتي منحتني القبول. وهكذا، بدأت حياتي كطالب في التصميم ثمّ كمصمّم في الاتضاح.


■ هل تعتقد أن هناك لغة أو هوية تصميمية عربية خاصة، تعكس ثقافات وهوية المجتمعات العربية اليوم؟
التصميم بالمفهوم الذي درستُه وتعلّمتُه وأعلّمُه في ألمانيا لا يوجد في البلاد العربية. التصميم في البلاد العربية فقير جدّاً، بل أستطيع القول إنه غير موجود في الأساس، وليس له فكره ورموزه. إذاً ليست هناك لغة عربية تصميمية موحّدة. فرغم المحاولات الكثيرة هنا وهناك، فإنها تبقى روافد صغيرة لا تصبّ في مجرى واحد.

لعلّ ذلك يعكس الهوية العربية المشتّتة اليوم. التصميم ينشأ في بلد ما انطلاقاً من فلسفة ومن رغبته في التغيير والتطوّر. وفي البلاد العربية، ينقصنا التغيير المبني على الفلسفة. ما يجري حالياً هو تقليد ونقل واستهلاك أفكار خارجية. التصميم ينشأ من داخل المجتمع وحاجته إلى حلّ مشاكله اليومية، وإيمان المصمّم بحل هذه المشاكل، من خلال إظهار هوية وشخصية الزبون والمنتوج والمؤسّسة.


■ هل يمكن تشبيه التصميم بالعمارة، بمعنى أننا نسكن اليوم في فضاء يصنعه المصمّمون؟
هناك نقاط تقارب كثيرة بين المصمّم والمعماري، ولعلّ ذلك هو أكثر من مجرّد تقارب. المعماري الجيد يهتمّ بتصميم الفضاء أكثر، لأن الفراغ هو محيط حياة الإنسان في العمارة، لذلك تتّجه الأخيرة إلى الفضاء أكثر ممّا تتّجه تحت الأرض التي تُشكّل قاعدة العمارة للتعاشق مع الفراغ.

المصمّم الجيد يهتم بالفراغ، والمساحة البيضاء لأنها تعادل محيط الفضاء في العمارة، وهذه المساحة هي المسؤولة عن إخراج العمل بصورة جيّدة وتساعد على قراءة المنتَج.

وبين الفضاء والفراغ، هناك عامل مشترك يعمل عليه المعماري والمصمّم على حدّ سواء، وهو النور؛ فالضوء أهمّ عنصر في حياة الإنسان اليومية، ونحن نحتاجه لأكثر من نصف اليوم لإنهاء أعمالنا. وهذه الفلسفة ليس محترمة في بلادنا؛ لأن الأكثرية ترغب في الأشياء الكبيرة واللمّاعة والملوّنة والمتحرّكة، وتبتعد عن المساحة البيضاء وعن الفراغ.


■ كيف تنظر إلى التصميم الغرافيكي، وهل تعتبره فناً أم صنعة، ولماذا؟
التصميم ليس فنّاً وليس صنعة كما يعتقد الكثيرون. إنه علم ودراسة وبحث، ومفهومي للتصميم هو أن الإنسان قاعدة كل شيء تصميميّ؛ فهو المقياس الأول والأخير، وهو الشكل والمضمون والماضي والمستقبل معاً، وهو الجزء والكل والعام والخاص. وهو الكثير وأحياناً القليل.

التصميم ليس عملية ابتكار أو تكوّن فقط، وليس عملية إخراج منتوج. إنه لغة عالمية مفهومة ويقرأها الجميع. وإن زادت أنواع التصميم وتنوّعت، فإن العامل الذي يبقى مشتركاً بينها جميعاً هو الفلسفة التي تقف وراء ذلك؛ فالتصميم علم وفكر ونظرة مستقبلية، مهمتها الأولى حلّ مشكلة الزبون والمنتَج والمؤسّسة.

من هذا المنظور، يُمكننا إلقاء نظرة بسيطة على التصميم انطلاقاً من أدواته أو عناصره؛ فالنقطة سيّدة البداية، ولها وجود أكثر من غيرها، فإن تكاثرت كوّنت الخطّ بأشكاله، وإن تجانس الخطّ كوّن المساحة، ومنها إلى الجسم الذي يعطينا شيئاً جديداً هو الفراغ. فالمساحة والفراغ هما في تعاشق جميل. وهذه الأشياء يظهر جمالها بالنور ويختفي بالظلام؛ فاللون الأسود سيّد الألوان، لأنه في الجانب الآخر من النور، وإن انعدم اللون زاد الملمس، فلغة اللمس من أجمل لغات التصميم، لأن كلّ منتَج له ملمسه في مخيّلتنا وإن لم يكن معنا.

وإن زادت أو نقصت عناصر التصميم زادت ونقصت الأسس؛ فأسس التصميم هي القواعد التي نستعمل بها أدواته، وهذه تختلف من منتَج إلى آخر ومن زبون الى آخر ومن مؤسّسة إلى أخرى، وهي تُصاغ لتضع أدوات التصميم لخدمة المنتَج؛ أهمّها النسبة والتناسب، والتي تمثّل ميزة جمالية التصميم عند كل قارئ جيّد، فعندما نقيم تصميماً، نأخذ بعين الاعتبار النسب التي تظهر أمام أعيننا بهذا الجمال.

أمّا الإيقاع، فيحدّد علاقة الأجزاء ببعضها، بينما تُحدّد الوحدة علاقة الجزء بالكل. والسيادة هي ليس السيطرة إنما وجود أصغر خلية تصميمية لتعطي أكبر مردود بصري؛ فالقليل هو الكثير في التصميم والكثير يمنح القليل. والميزان في الوسط، فأصغر وحدة تصميمية لها أهدافها وقيمها واتجاهاتها، لأنها تنظّم كل هذه الامور في داخلها وحولها، وبناء التصميم حول عمل متكامل من خلال الأجسام والألوان وقيمته. والبناء هو الميزان بين الشكل والفراغ والبساطة والتعقيد.

التصميم الجيّد هو الميزان بين عناصر التصميم وأسسه. وبالنتيجة هو الميزان بين المشكلة المراد حلها والأمل المنتظَر، فهناك عوامل كثيرة تؤثّر في التصميم؛ أهمها الإنسان ومستواه وثقافته ونظرته وتقبّله للتصميم، إذ يختلف ذلك من إنسان إلى آخر، فالمحيط هو المكان الحي الذي يتقبّل العمل التصميمي أو يرفضه، يطوره أو يُعدمه، يخلق منه شكلاً جديداً أو يتركه يموت ببطء. وظيفة التصميم تأتي قبل جماليته، فالقدرة على التفاعل معه تعطيه ليس فقط الوظيفة، إنما الفائدة أيضاً.


■ ما هي أبرز التحدّيات التي تواجه عملك كمصمّم؟
المصمّم يبني المستقبل. وفي عملية البناء تلك يستعمل أدواته. تحدّياتي كثيرة وأعمل عليها يوميّاً، ويمكنني إيجازها في ما يأتي: أولاً، إنقاذ العالم، لأن المصمّم ينقذ العالم من الفائض والتصميم يبقى أهمّ أداة لذلك. علينا النظر إلى تصرّفاتنا اليومية والاستهلاكية ونضع حدّاً لاغتصاب خيرات هذه الأرض، والتعايش معها. الطبيعة لا تحتاج الإنسان، إنما الإنسان يحتاج الطبيعة.

ثاني التحدّيات هو الكائن البشري، فالمصمّم يعمل على الإنسان وخصوصاً على تغييره نحو الأحسن، وهذه مهمّة يومية ولا تنتهي. بعد ذلك، يأتي تحدّي الشكل والوظيفة، باعتبار أن التركيز في التصميم على الوظيفة أوّلاً، ومن ثمّ المظهر، لأن مهام الوظيفة عملية؛ فهي تخدم الزبون والمنتَج والمؤسّسة. أما التحدي الأهم فهو إنقاذ العمل التصميمي من كل ما هو غير مهمّ، وليست له أيّة ضرورة. أخيراً، أعتقد بوجود تحدّي الثقافات المختلفة، لأن المصمّم يجمع الثقافات المختلفة ويُشجّع ويسهّل التواصل بينها.


■ المسؤولية الاجتماعية للمصمّم، كيف تراها؟
العالم الذي نعيش به مملوء بالتناقضات، وفي كلّ المجالات. المصمّم الذي يعتبر نفسه منقذاً هو التقني المسؤول عن الإنتاج بأحسن فاعلية وعملية ووظيفية وبأعلى جمالية ضرورية للمنتَج، لإنقاذ هذا العالم من الاندثار الذي لن نعلم أننا في الطريق إليه، ويتمّ ذلك على يد الإنسان.

مثلاً، تلوّث الأرض والبحار بمواد البلاستك التي لا تخدم الإنسانية بل تخدم الشركات المصنّعة. المصمّم الجيّد لديه فلسفة ومبادئ يعمل بها، وهو ما يضعه في جدل مع الآخرين، وهنا تكمن هويته، لأن صورته الذاتية تتطابق مع صورة الآخرين عنه. والأمر الآخر هو أن المصمّم يختلف عن غيره، فهو ليس فنّاناً، فللفن وظائف، وللتصميم وظائف أخرى.

بهذه الصورة، تتبلور هوية المصمّم على أنه جزء من المجتمع والإنسانية والحضارة. ومن هنا يصبح دوره في المجتمع واضحاً، ولكن في مجتمعنا العربي يُمزَج بين دوره ودور الفنّان. فدور الأوّل هو إنقاذ العالم وخلق وتصميم أفضل للمنتج، باستخدام مواد طبيعية للمستقبل. هذا الدور ليس واضحاً في البلاد العربية؛ ففي أكثر الأحيان يُختزَل دوره في تصميم شعار أو إعلان أو استعمال برنامج؛ فالتصميم فكر ودراسة وبحث. أعتقد أن نظرة المجتمع إلى المصمّم تختلف عن نظرة المصمّم إلى المجتمع. نظرة المجتمع الاستهلاكية وقلّة الإنتاج تدعوانه إلى حلول وبدائل أخرى، ونقص الجدال والنقد بين الطرفَين إنما يأتي من عدم المحاكاة بينهما.

ورغم توغّله إلى كل مجالات الحياة يبقى المصمّم شخصاً مجهولاً. وهذا يعود إلى نظرة المجتمع وتداوله مصطلحات خاطئة وقديمة. المصمّم الجيد هو ابن المستقبل وليس الماضي. إذاً، لماذا نستعمل معه مصطلحات قديمة رغم أنه يقدّم لنا المستقبل على طبق؟ مثلاً، في البلاد العربية يتداولون مصطلح "التصميم الغرافيكي"، وهو مصطلح استُبدل في ألمانيا سنة 1972 بمصطلح آخر هو "التواصل البصري"، وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى.

عموماً، ما ينقص مجتمعاتنا هو التبادل على مستوى وجهات النظر بينه وبين المصمّم واحترامه وتقديره وتقدير ما يقوم به، وعدم مزجه بالفن مع كل احترامي للأخير. في هذا السياق، أودّ أن أذكر أن عنصر الزمن عندنا يختلف اختلافاً كبيراً، فالمستهلك يسارع إلى اقتناء المنتَج الجديد من دون التفكير في تأثيره في ثقافة البلد. لذلك أصبح المستهلك سطحيّاً ولا يقوم بأي محاورة مع المنتَج. في حالة المصمّم، فإنه ينظر إلى المحيط الجديد وثقافته عندما ينتج عملاً جديداً.


■ كيف تُعلّق على غياب ظاهرة المصمّم الملتزم بقضايا مجتمعه، واكتساح ظاهرة المصمّم التجاري أو ذلك الساعي إلى العمل لصالح الشركات والمؤسّسات الفنية الكبرى؟
لكل مصمم جيّد رسالة؛ وهذه الرسالة هي جزء من فلسفته وفكره وثقافته ورؤيته. المصمم إنسان شفّاف ومنفتح، وليس منغلقاً أو مظلماً. هذه الاستراتيجية المستقبلية التي يلعب النور فيها دوراً كبيراً - ولا أقصد بالنور هنا الضوء بل معنى أن تنوير المجتمع من الظلام - يعتمد على نشر الفكر التصميمي من خلال المنتَج، ويركّز على الزبون وبناء هويته ليكون جزءاً متكاملاً مع بناء هوية المؤسّسة الخادمة للمجتمع.

الهدف بين تعاشق الزبون والمنتَج والمؤسّسة ضروري جدّاً؛ فكلّما كان الزبون على تواصل مع المؤسّسة من خلال منتَجاتها ضمنّا تطور الاقتصاد والمجتمع. لذلك، فإن المصمّم يجب أن يعرف حاجات الزبون ويعمل على تحقيقها.


■ ماذا أبقت برامج التصميم الإلكترونية للعمل اليدوي، مقارنة بالسبعينيات والثمانينيات مثلاً؟
التصميم الجيّد يبقى دراسة وفكراً وبحثاً وعملاً يدوياً. دخول البرامج التصميمية على أجهزة الكمبيوتر ليس معناه أن من يستعملها أصبح مصمّماً. التصميم ليس بكثرة وجودة وإتقان هذه البرامج، إنما هو حل مشكلة الزبون أو المنتَج أو المؤسّسة، ويُمكن للعملية الإخراجية أن تدخل في هذه البرامج. في ألمانيا مثلاً، من يعمل على هذه البرامج لا يُسمّى مصمّماً، إنما منفّذاً تقنياً.

بمعنى آخر، يعطيه المصمّم مخطّطاً لتصميم شعار على ورقة، فيقوم بإخراجه باستخدام البرنامج، أي أن دور المصمم هو التفكير وإيجاد حل لمشكلة، وليس المشاركة في دورات تدريبية لتعلّم بعض البرامج. وقد لاحظت أيضاً أن استعمال البرامج في المحيط العربي ليس مدروساً مثلما وضعه مبرمجوها، إنما يتمّ المزج بينها من دون الدراية بخلفيتها.

مثلاً، هناك برنامج يُستخدم فقط لصفّ الحرف وآخر لتصميمه، وآخر لمعالجة الصورة فقط، وآخر لمعالجة الصفحة. وكلّ هذه البرامج لا تخدم أي شيء إن لم يكن المصمّم صاحب فكر ويعرف من أين يبدأ وأين ينتهي ولماذا.


■ كيف تُقيّم تعليم التصميم الغرافيكي في الجامعات العربية، حيث نلحظ غياب معاهد خاصّة بالتصميم ونقصاً في كليات التصميم، ما السبب في رأيك؟
جامعات وكليات التصميم في البلاد العربية قليلة جدّاً وفقيرة جدّاً، وتعتمد على مناهج قديمة، وتنقصها الرؤية والكادر المستقبلي. وهذا ما توصّلت إليه من خلال زياراتي مجموعة كبيرة من هذه الكلّيات.

وقد كان هذا الدافع الكبير لي كعميد مؤسّس لكلية الفنون والعلوم التطبيقية في الجامعة الألمانية في القاهرة لأن آخذ طريقاً آخر. وهذا وصف صغير لتجربتي مع الكلية التي لا تُعتبر كبيرة فحسب، إنما من أحدث الكليات في البلاد العربية، لأنها تقدّم للطلاب أحدث ما هو موجود من معلومات وطرق وتبادل في مجال التصميم، وتفتح لهم آفاق تصميم جديدة خارج حدود المحيط المحلي المعروف إلى المحيط العربي والعالمي. تحتوي الكلية على ثلاثة تخصّصات رئيسية؛ هي: تصميم الغرافيك والعلامة، وتصميم المنتج، وتصميم الميديا.

إضافة إلى ذلك، ثمّة أقسام مهمّة ومكمّلة؛ هي: نظريات التصميم، وقسم التخطيط والتشكيل، إلى جانب مجموعة كبيرة من الورشات المستقبلية والمكمّلة. هذه الورشات تستفيد منها الكليات الأخرى التي تتعامل معها. ومن أهمّها ورشة طبع الكتاب، وورشة تغليف الكتاب، وورشة التصوير، والتصوير التلفزيوني، ورشة الجبس، ورشة المعدن والخشب، إضافةً إلى ورشات هي في طور البناء حالياً. كلية الفنون والعلوم التطبيقية هي كلية كبيرة في فكرتها وتطبيقها ومحاكاتها، وتلعب دوراً كبيراً في المجتمع، وتحاول من خلال خرّيجيها تقديم الحلول التصميمية لمشاكل المنتَج والزبون.

التواصل بالنسبة إلى الكلية مع المؤسّسات الصناعية والتصميمية في مصر والعالم، وخصوصاً مع ألمانيا، لا يتمّ فقط على صعيد التعاون الأكاديمي مع الجامعات والكليّات الألمانية، وخصوصاً كلية لايبتزغ (وهي الكلية الأم للتصميم والتي أشغل منصب عميد فيها)، بل تربطنا معها معاهدة تعاون وتبادل أكاديمي، تتيح إجراء دورات تطبيقية في ألمانيا. ومن أهم أهدافنا التبادل الطلابي مع الجامعات الألمانية في كل مجالات التصميم، هذا ليس فقط رمزاً لنا، إنما واجب أساسي لا نستطيع التنازل عنه، بل نعمل على تطويره كل يوم.

إضافة إلى العمل الدؤوب على تطوير الكثير من ورش العمل المشتركة مع الجامعات والمؤسّسات الألمانية أثبتت قدرات تلاميذنا العالية جدّاً خارج حدود البلد؛ إذ حقّقوا في المسابقات التصميمية الدولية أحسن وأعلى النتائج ورفعوا اسم الكلية وأصبح ليس فقط معروفاً إنما مقبولاً بين الكليات الأخرى، وبعضها تعتبر كليّتنا نموذجاً فريداً في المحيط العربي.


■ ما هو آخر تصميم قمت به؟
في الحقيقة، الأعمال الأخيرة كثيرة، وواحد منها تصميم شعار لمدينة شكويدس وهي مدينة قريبة من لايبتزغ وبها مطار كبير. وهذا الشعار يختلف كلّياً عن كل أعمالي السابقة؛ إذ يتميّز بوظيفية جديدة داخل الشعار تجعل المشاهد مجبراً على محاكاة العمل.


■ هل هناك تصاميم قمت بها وندمت عليها؟
لم ولن أندم على أي عمل قمتُ به، وأعتبر أن أعمالي تتّصف بتطوّر زمني وفلسفي ومحاكاتي للزمن. وهذه المحاكاة تجعلني أنظر إلى الأعمال بتسلسل. الأمر نفسه ينطبق على مقالاتي المتعدّدة وكتبي الكثيرة. كل هذه الأعمال هي جزء منّي وهذا الجزء مكمّل للكل. ثمّة قصّة أوردها هنا: أوّل كتاب صدر لي كانت فيه ثلاثة أخطاء في صفّ الحرف. لذلك قرّرت أن لا أطبع هذا الكتاب مرّة أخرى رغم الطلب الكبير عليه، ورغم حبي له. كلما كانت الدقّة في العمل موجودة قلّ الندم.


■ يوصَف المصمّمون بأنهم أصحاب شخصيات "صعبة" و"زئبقية"، أي يصعب التعامل معهم.. هل توافق على هذا وما هو تفسيرك، وما هي نصيحتك أخيراً لمن يتعامل مع مصمّم؟
المصمّم العربي يمر بأزمات كثيرة بعضها داخلي وبعضها خارجي. الداخلية أذكر منها عدم اهتمامه ببناء شخصيته التصميمية، وعدم تعمّقه في فلسفة التصميم وأدواته، فشخصية المصمّم تعبّر عن إمكانياته. أيضاً، تنقصه الرؤية؛ فهو يعيش في هذا الواقع ويكافح ولا يستطيع الخروج منه إلى المستقبل.

أمّا التأثيرات الخارجية فهي أكثر، أهمّها جهل الكثير من الزبائن مفهوم التصميم ودوره في المجتمع، واستعمالهم المصطلحات الخاطئة، وأغلبهم يتكلّم بمصطلح الفن ولا يعرف الفرق بين التصميم والفن، ولا يحترمون عمل المصمّم ويتدخلون في أفكاره وفي عملية الإخراج التصميمي، وإضافة إلى ذلك لا يقيّمون العمل التصميمي مادياً.

هذه حقيقة أعيشها يومياً من خلال تواصلي مع المصمّمين الجيّدين الذين أعرفهم وأدعمهم. على كل من يتعامل مع المصمّم أن يعطيه المكان والزمان للتفكير والبحث في مشكلة الزبون أو المنتَج أو المؤسّسة، ومناقشة المصمّم وليس تلقينه، وإعطاء الفكرة الجيدة حيزاً للنجاح ودعمها، وأهم شيء تقييم العمل مادياً ليتسنّى للمصمّم العيش من هذا العمل دون أن يضطرّ إلى عمل آخر.


بطاقة
يُعدّ ريان عبد الله، الذي وُلد في الموصل عام 1957، أحد أبرز الأسماء عالمياً في مجال التصميم. صمّم شعارات مؤسّسات اقتصادية معروفة، وأعاد تصميم شعار النسر الألماني. يُدرّس اليوم في كلية الفنون الجميلة في لايبتزغ. وهناك، أسّس أكاديمية تسمح لطلاب الفن والتصميم اللاجئين بمواصلة دراستهم في ألمانيا. هو أيضاً مؤسّس وعميد كلية الفنون الجميلة في الجامعة الألمانية في القاهرة، ومؤلّف كتب في مجاله.

دلالات

المساهمون