مدينة ومقهى على الحافّة

مدينة ومقهى على الحافّة

26 اغسطس 2018
(مدخل "مقهى الحافّة" في طنجة، تصوير: يوريس ياسين العلوي)
+ الخط -

"العالية" لقبٌ شعبيّ اشتهرت به مدينة طنجة في المغرب، ويُردّده الناس في أغانيهم، وينافسه لقبٌ آخر ليس أقلّ شهرة هو "عروس الشمال". غير أن الأوّل هو الأكثر تداولاً والأكثر تعبيراً عن حالها، لإشرافها من موقع عال على مضيق جبل طارق، مُلتقى البحر الأبيض المتوسّط والمحيط الأطلسي، وإطلالها على القارة الأوروبيّة التي تُرى بالعين مباشرة.

وطنجة عالية، أيضاً، لكون حيّ "مارشان"، أكثر أحيائها شهرةً بصخرة قبوره الفينيقية وفيلاته الكولونيالية وفضاءاته الخضراء أيام كانت "مدينة دولية" بين 1926 و1957، قد شُيّد على حافّة هائلة اعتُبرت قديما حدّ العالم ونهايته وميدان المبارزة التي هزم فيها هرقلُ العملاقَ أنتيوس ابن الإلهة "غايا"، الرجل الأقوى عند تثبيته رجليه في الأرض. وفي مارشان، أيضاً، يوجد قصر الملياردير مالكوم فوربيس، والذي كان يُعدّ المتحف الوحيد في العالم لمصغّرات برونزية أو رصاصية، وكانت تلك إحدى هواياته.

كذلك، يضمّ الحيُّ مقهيَين؛ الأول: هو "مقهى حانَفْطا" الذي يتوسَّط أشجار الأوكلبتوس، ويقصدُه الطنجيُّون أساساً من لاعبي البارشيس، وعشّاق حفلات الموسيقى الأندلسية التي تُقدَّم مجّاناً كلَّ جمعة لروّاده ولمحبّي هذا التراث. وقد عُرف عن الكاتب الإسباني الراحل خوان غويتيصولو حضورها واستمتاعه بها عند قدومه إلى المدينة صيفاً.

وعلى مقربة من هذا المقهى، لكن عند حدِّ الحافة، يوجَد "مقهى الحافّة"، المعروف عند الأجانب الذين لا يتردَّدون في البحث عنه وزيارته، لارتشاف شايه أو احتساء "بَيصره" (حساء مغربي)، أثناء جلوسهم على كراسٍ معظمها متخلّع، حول موائد بسيطة من إسمنت، في مدارجه أو شرفاته المنحوتة في الجرف، لتسريح بصرهم في زرقة الأطلسي أو تأمّل العُدوة الأندلسية، أو تتبُّع حركة الملاحة بالبوغاز، أو التدخين.

ارتاد "مقهى الحافة"، الذي سيُحتَفى بأُلفيّته قريباً؛ إذ افتُتح سنة 1921، كتّاب وفنّانون كثيرون؛ مثل: جون لينون، ومايك جاغر، وويليام س. بوروز، وأنطونيو فوينتيس، وتينيسي ويليامز، وبول بولز، ومحمد شكري، وترومان كابوتي، وبول ماكارتني، وسين كونري. كما خلَّدته أعمال فنّية وأدبية عديدة لمُبدعين محلّيين وعالمييّن؛ مثل: كونسويلو هرنانديث، والزبير بن بوشتى، وبابلو ثِريثال، ولويس إدواردو أوتي.

أحد أبرز الأعمال التي عرَّفت بالمكان قصيدةٌ/ أغنية لـ لويس إدواردو أُوتي، يقول فيها:
"القمر في علياء طنجة
يحرس ليلَ الله
حين لقائنا
بمَلهى شالّة.

تقاطعت نظراتُنا
قلتُ لكِ "السلام عليكم"
لكنّ موظّف الاستقبال
أجابَنا: "لا غرف لدينا الآن".

[...]

لم نجد سيارة أجرة
وكانت القصبة تغصّ بشراً
بينما يعدو شرطيّان
خلف علي بابا.

تسلّقنا الجبل
عبر شعاب زهر البرتقال
ومن الحافّة بالتلّ
كنتُ أرى البحر بعيداً.

[...]

لمّا أحْببْتُك
في شُرُفاتِ مقهى الحافة.
مقهى الحافة".

يعتبر الطنجيّون المقهى أحد المعالم التراثية العديدة التي تزخر بها طنجة. لذلك، لم يتردَّد كثيرون منهم في شجب ما راج في الأيّام الماضية عن إزالته، بأمر من عمدة المدينة، ليتبيّن بعد ذلك أن التدمير طاولَ بناءً حديثاً؛ حيثُ أوضحت السلطات المحليّة أن المالك الحالي للمقهى شيّد المبنى قبل أشهر بشكل "غير قانوني".

كانت الحادثة مناسبة نبّهت السّكان إلى ضرورة الحفاظ على هذا المكان الذي يُعدّ همزة وصل بين طنجة القديمة والحديثة، وإلى إعادة إدماج فضائِه المتفرِّد بهندسته وأجوائه داخل المدينة، بإدراجه رسميّاً ضمن مزاراتها السياحية، والعمل على الارتقاء بخدماته.


دلالات

المساهمون