نوري مصطفى بهجت: رحيل آخر "جماعة الرواد"

نوري مصطفى بهجت: رحيل آخر "جماعة الرواد"

07 يوليو 2018
نوري مصطفى بهجت
+ الخط -
رحل أول أمس الفنان التشكيلي العراقي نوري مصطفى بهجت (1921-2018)، الذي كان واحداً من "جماعة الرواد" التي أسسها الفنان فائق حسن (1914-1992) في أربعينيات القرن العشرين. كان موضوع بهجت الأثير الطبيعة العراقية، متأثراً في ألوانه وخطوطه بالفطرية وبالحياة اليومية في المدينة والريف.

كان الراحل طبيباً متخصصاً في العلاج الطبيعي، ودرس الموسيقى والرسم في "معهد الفنون الجميلة" في بغداد، وفيها التقى بالفنان التشكيلي الراحل فائق حسن عام 1940. حسن كان وقتها قد عاد من دراسته في فرنسا وبدأ التدريس في المعهد الذي انضم إليه بهجت في السنة نفسها، حيث كان يدرس في كلية الطب خلال النهار، والتحق بمعهد الفنون للدراسة المسائية.

في المعهد بدأت تتوطد العلاقة بين الفنانين، ثم أخذ الطالب يتردد على منزل أستاذه وأصبح صديقه المقرب، لذلك كان منزل بهجت يضم منحوتة لحسن وهي الوحيدة من نوعها، والتي رد فيها على من قال إن حسن لم يمارس النحت أبداً.

كان بيت حسن قد تحوّل إلى منتدى، وتحوّل مرتادوه شيئاً فشيئاً إلى جماعة، يقصدون منطقة الجادرية كل يوم جمعة بهدف برسم مناظرها، فيتوزعون في البساتين خلال النهار، ثم يجتمعون مساء لمناقشة أعمالهم، واستمرت هذه العادة 15 عاماً، يجتمع الفنانون ويرسمون الطبيعة المحيطة بهم وينتقدون بعضهم البعض بحرية وصدق كما يروي بهجت في مقابلة تلفزيونية معه أجريت عام 2012.من أعمال الراحل

مع وجود سمات مشتركة بين الفنانين في هذه الجماعة، التي ضمت من بين فنانيها نوري الرواي وإسماعيل الشيخلي، أطلق حسن عليهم "البدائيون"، لكن الاسم لم يرق لهم فطلبوا تغييره ورفضوه إلى أن أقتنعوا به ثم عادوا وغيروه مع إطلاق أول معرض مشترك لهم إلى "جماعة الرواد" عام 1951.

تميزت لوحات بهجت ببساطة مفرداتها واقتناصها للحظة عابرة في الطبيعة الصامتة، وفي ذلك يختلف عن رسامي هذا النوع بزاوية النظر الصغيرة التي يختارها، فليس المهم البستان كله بل جزء صغير منه.

في تناوله لأعمال الراحل، وصف الناقد عادل كمال الفنان الطبيب بأنه اختار "الجانب الموضوعي في رسم الحياة المدهشة وفي تصوير سماتها الجمالية، فالطبيب من أكثر الناس معرفة بالقوانين التي تخص مصائرهم، منذ الميلاد حتى الموت؛ حيث الإنسان يواجه الأمراض والعلل والنكبات. والإنسان ضعيف غالباً تجاه قوى غامضة ومجهولة والتي تدفعه إلى صراع دائم ومرير من أجل أسابيع أو أيام أو حتى ساعات. إن هذه الحقيقة تنعكس في لوحات بهجت من زاوية تجديد حيوية الرؤية وعدم الانغلاق أو الكف عن تأمل الحياة. وهي رؤية موضوعية لكنها تتضمن عمقاً ذاتياً يرتبط بحساسية الفنان واختياره للرسم تعبيراً عن جماليات الحياة".

كان بهجت قد حصل على منحة لمتابعة دراساته في الطب الفيزيائي في نيويورك في أواخر الخمسينيات، وحين عاد كان من أوائل من حملوا درجة علمية متقدمة في هذا المجال، وساهم في تأسيس أول مركز طبي متخصص في الطب الفيزيائي ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، ووفر فيه إلى جانب الرعاية الطبية، مكتبة ومسرحاً وورش تدريب على الرسم.

استفاد الفنان من معرفته الطبية وأفاد زملاءه التشكيليين من خلال إعطاء دروس في التشريح الفني في "معهد الفنون الجميلة" في بغداد. وطلب من النحات محمد غني حكمت إنجاز نصب ثلاثي الأبعاد يتناول قضية رعاية المعاقين ليوضع في مدخل المركز الذي أسسه، ورسم حكمت ماكيت النصب على شكل فتاة واقفة تجسد العراق وعلى أطراف ثوبها مجسمات لأجساد كل واحد منها يعاني بشكل ما، لكن المنحوتة ظلت حبراً على ورق.

عن ذلك كتب مرة "ارتأيت أن أحصل على هذا الماكيت الصغير لأتبارك فيه واضعه في مدخل العيادة الخارجية للمركز، إلا أني لم أجد له أثر في المكان الذي كان فيه وقد غاب عن الأنظار، وهكذا فان النصب العظيم هذا ذو المعاني العميقة لم ير النور وكذلك الحال بالنسبة إلى النموذج الصغير، وكذلك بالنسبة إلى المرحلة الثانية لمركز التأهيل".

المساهمون