ديمومة الكراسي

ديمومة الكراسي

06 يوليو 2018
محمد عمران/ سورية
+ الخط -

في لقاء قديم بيننا، أنا وصديقي، وبين شاب أوروبي يعمل مع الصليب الأحمر، وجّه لنا هذا السؤال: هل تعتقدان أن الديمقراطية تصلح للعرب؟ وبالطبع فقد ضبطنا مشاعرنا، وكتمنا انفعالاتنا، كي نثبت أننا ديمقراطيون أباً عن جد، وأجبنا نعم إن الديمقراطية مناسبة لنا، فما دام العرب ممن يقطنون على سطح هذا الكوكب الذي يحتفي بهذه القيمة الإنسانية فمن حقهم التمتّع بها.

وحين أردنا أن نؤكد ذلك عبر التجارب التي خاضها العرب في مجال الديمقراطية، لم نجد تجربة عربية واحدة تستطيع أن تقدّم لنا نجدة أيديولوجية كافية لإحراج هذه التهمة الباطلة، ولا تتمكن السنوات الديمقراطية القليلة المشهورة في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين لدى السوريين، من إقناع أحد، بمن في ذلك من يردد الكلام عنها. وهي لا تزيد عن أن تكون مرحلة قصيرة جداً، يحنّ إليها السوريون في أجيالهم المتعاقبة خلال السنوات الستين الماضية، بعد أن قيل لهم إن البلد شهد فترة ذهبية للديمقراطية إبانها.

ومع ذلك فإن العارفين بالتاريخ، من جهة، وكتّاب المذكرات من صحافيين وسياسيين كانوا مشاركين في تلك الحقبة، يقولون إن تلك المرحلة بالذات شهدت تغوّلاً لافتاً لرجل الأمن على حياة الناس، وإن الأمرين الوحيدين، المعبرين عن الديمقراطية السياسية، وهما الانتخابات البرلمانية، وحرية تكوين الأحزاب، لم يتكررا بعد ذلك مطلقاً. وهذا يعني أن من الصعب أن تكون تلك التجربة مثالاً لإثبات الصلاحية. فقلنا إن الممكن المتاح لنا هو تشبيه الديمقراطية بالنهر، إذ عليك أن تنزل إلى الماء كي تتعلّم السباحة، ومن حق العرب أينما كانوا أن يجرّبوا ذلك، قبل أن يشكك أحد بهم.

وموضوع التشكيك في قابلية العرب للديمقراطية، أو صلاحيتها لهم، بات شائعاً اليوم. وفي الغالب فإن عدد من يؤيدون هذا الرأي من بين العرب في تزايد، ويكفي أن يكون أحدنا قد شهد موقفاً واحداً من المواقف المعادية للديمقراطية من شخص عربي واحد كي يمنح نفسه الحق في تعميم الفكرة على ملايين العرب.

لا أذكر الكثير من الحجج التي تقدّمنا بها، بعد ذلك، لإقناع الشاب الأوروبي بصلاحية الديمقراطية لنا، ولكني أذكر رغبتنا في إقناعه، وسعينا لكسب موافقته على أننا جاهزون تماماً، ومنذ الغد، لتطبيق الديمقراطية.

والحقيقة التي يعرفها الجميع، هي أننا قد حرمنا من الديمقراطية، أو الماء، طول القرون الماضية، مرغمين، ولهذا فإن من الطبيعي أن لا نعرف ذلك النمط من السباحة، وقد أثبتت السنوات الأخيرة أنه لم يكن مسموحاً لنا، من قبل الخارج، أن نسبح أو أن نتعلم السباحة، وقد استخدمت في هذا المجال جميع أنواع الأسلحة، لا الفكرية وحدها فحسب، بل الحربية المصنعة حديثاً والتي وضعت عمداً كي تجرّب في أجساد أولئك الذين تجرؤوا ووقفوا على حافة النهر.

أما في الداخل، فهناك من يروي طرفة تقول إن أحد القادة العرب الراحلين فسّر الديمقراطية حين سئل عن فهمه لها بحسب ما تلفظ باللغة الإنكليزية، إذ قال إن "الديموكراسية" تعني في حقيقة الأمر: ديمومة الكراسي.

دلالات

المساهمون