ذاكرة حيّة من أجل أشرف فياض

ذاكرة حيّة من أجل أشرف فياض

10 مايو 2018
(أشرف فيّاض في تصميم لـ رشيد وحتي، المغرب)
+ الخط -

مؤخراً، تزايد الحديث عن السعودية؛ البلد التي بقي مغلقاً أمام العالم لعقود طويلة، ثم ها هي -فجأة- "تنفتح" وسط تهليل كبير هنا وهناك. والحقيقة، أن ما يحصل في السعودية من إصلاحات شيء يثير الدهشة، وينبغي التوقف عنده، فإلى زمن غير بعيد اعتبرت دولة متشدّدة ومنغلقة، ثم تسارعت حركة "الإصلاحات" في غضون شهور قليلة. لكن، تبقى هذه الصورة منقوصة حين نلاحظ أن ملفاً أساسياً مثل ملف حقوق الإنسان، وهو ملف دام ومثقل بالانتهاكات في السعودية، ظل بمنأى عن موجة الانفتاح، وكأنه سيبقى يذكّرنا بأن الإصلاحات السعودية شكلية لا غير.

في هذا السياق، لا بدّ أن نتذكّر الشاعر الفلسطيني أشرف فياض الذي جرى تأويل نصوصه بأنها تتضمّن "تعدّياً على الذات الإلهية"، واتهم بالإلحاد وحُكم عليه بأربع سنوات سجن وثمانمئة جلدة، بعد الاستئناف تم الحكم عليه بالإعدام بناء على شكوى وشهادات مقدّمة من "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" والتي تعتبر سلطة رسمية لمراقبة الناس وممارسة الضغوطات على تحرّكاتهم في الحياة العامة داخل المملكة.

هكذا، تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في السعودية، أو كما يصفها حقوقيون "مملكة الحكم بالإعدام"، وهو توصيف لا يأتي من موقف انفعالي ساخر أو منحاز، بل أتى كأحد أهم مخرجات من يقرأ تقارير المنظمات الدولية التي أكدت دائماً أن السعودية كانت وما زالت إحدى أكثر الدول في العالم استخداماً لعقوبة الإعدام، وأن هذا الحكم يحدث بصورة اعتيادية وبشكل لم يسبق له مثيل في بلدان أخرى. وقد نشير إلى أن هذه التقارير تظلّ مقدّمة عن بُعد، إذ لا تجد المنظمات الدولية تسهيلات للتحقيق في مسائل حقوق الإنسان في السعودية، كما أن نظام أبناء آل سعود كثيراً ما حاول جاهداً الضغط على المنظمات الدولية حتى لا تتناول ما تعتبره شؤونها الداخلية.

بالعودة إلى قضية أشرف فيّاض، تجدر الإشارة إلى أن أسرته أقامت في السعودية منذ قرابة خمسين عاماً، وأنه في عام 2007 أصدر كتاب "التعليمات بالداخل" وهو عمل يقدّم مجموعة من النصوص التي تستند إلى رؤى فلسفية في التعبير عن القضايا والهموم العامة للمجتمع، والغريب أن محاكمته جاءت بعد ست سنوات من صدور كتابه.

متأثراً بخبر حكم الإعدام على ابنه، توفي والد أشرف فياض جرّاء جلطة دماغية، وتقدّم الشاعر الفلسطيني بعد ذلك بطلب للمحقق بترحيله من السعودية كونه لا يحمل الجنسية السعودية، وأن قضيّته لا علاقة لها بالمساس بأمن الدولة، وليست كذلك قضية جنائية، غير أن طلبه قوبل مرة برفض ومرات أخرى بالتجاهل، وبعد ضغوطات من منظمات المجتمع الدولي ومثقفين وناشطين من مختلف بلاد العالم، جرى تخفيف الحكم إلى السجن ثماني سنوات مع تنفيذ حكم الجلد على فترات متفرقة.

بعد ذلك، أُهملت قضية أشرف فيّاض وبدا وكأن ملفّها أقفل نهائياً، ولم يعد هناك أية مطالبات بإخراجه من السجن كما أن المحامي الذي ترافع عن ملف القضية لم يعد يردّ على أية مراسلات أو اتصالات، ورفض نهائياً العودة لفتح ملف القضية، وهو ما جعل متابعين يرجعون ذلك إلى ضغوطات ربما مورست عليه من قبل السلطات كون القضاء في السعودية ليس مستقلاً، وما صدر من حكم لتخفيف العقوبة كان بالأساس قراراً سياسياً.

يُعاني فيّاض، الذي مضى عليه في السجن اليوم أربع سنوات ونصف، وضعاً صحياً ونفسياً متدهوراً مع استمرار تنفيذ حكم الجلد على فترات متقطعة أمام المساجين؛ الأمر الذي يُعرّضه للسخرية وتلقي العديد من الكلمات والتلميحات الجارحة كما أنه يمرّ بضغوط نفسية شديدة داخل السجن لأسباب تتعلق إما بظروف مادية وأخرى لأنه يتوق للحرية ويشعر بخذلان منظمات المجتمع المدني التي اكتفت فقط بإسقاط حكم الإعدام ثم نسيت القضية بعد تخفيف الحكم إلى ثماني سنوات.

ويحاول أشرف فيّاض أن يشغل وقته داخل السجن بالكتابة وخلق نافذة أخرى للحياة يمكن أن تواسيه أو تكون بديلاً للعالم الخارجي الذي لم يعد يتواصل معه منذ أن سُجن وهو من المؤكّد لا يعرف ما سبب إهمال قضيّته، ولا شكّ في أن إعادة فتح القضية والمطالبة بإطلاق سراحه بشكل نهائي أمر ينبغي التعجيل فيه.

قد يحتاج فيّاض الكثير من الوقت لاحقاً كي يستوعب كيف نجا من الإعدام، وكيف أن حريته قيّدت بسبب كلمة أُخذت بتأويل، ولا يوجد نص صريح يحاكمه رغم نفيه الخطي لما نُسب إليه ورفض استتابته.

ويبقى التساؤل مطروحاً أمام منظمات المجتمع الدولي، هل سيتم استغلال موجة الإصلاحات التي تهدف كما هو معلن للمساهمة في انفتاح وتحديث البلاد، وقيل إنها ستشمل المؤسسات الدينية والقضائية، لمصلحة الكثير من المعتقلين بسبب آرائهم الفكرية، وعلى رأسهم الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، أم أنها تدرك أن النظام السعودي لا يزال يسير على النهج المتعصّب والقمعي المعادي لحقوق الإنسان وإن ادّعى غير ذلك؟


* كاتبة من اليمن

المساهمون