فلتنته الرحلة ههنا

فلتنته الرحلة ههنا

07 ابريل 2018
جرجس لطفي/ مصر (جزء من لوحة)
+ الخط -

حين كانت بغداد تضيق عليه وحاناتُها تعبس في وجهه
كانت نَفْسُ الحسن بن هانئ تطلب السفر.
في تلك الأيام كان المديحُ نوعاً من الحجيج الأرضي يقصد فيه الإنسان إنساناً،
يُسقِط عليه ويؤمِّل عنده، ما نَقَص من مروءة معاصريه وما قصَّر كَرَمُ زمانه.
كان والي مصر في زمن الرشيد يدعى الخصيب
ولولا أربع قصائد وبضع مقطوعات في ديوان الحسن لما سمعنا باسمه ربما
ولما عرفنا أن "المنيا" قامت في زمانه وأنها كانت تدعى "منية الخصيب".
لم يستطع الحسن إغفاءةً رغم تعبٍ وكؤوس نبيذٍ جعلته يرى رؤوس النياق تشقّ فجر "الدّجيل" كأنها شواهد قبورٍ مدلجةٍ تترك "الأنبار" خلفها والفرات.
في الفجر الثالث من الرحلة
كانت النياق تشرب من "ماء النقيّب" -وتلك صحراء النقب جارة سيناء الفتية-
وعندما اكتمل الإشراق كنّ يوافين كنائس تدمر روانيَ الأعناق نحو بهائها
أما سرعتها وهي تأكل الطريق نحو "أهل الغوطتين" فقد جعلته يظنّ أن للنياق الهوجِ أكثر من ثأرٍ عند أهل دمشق.
وفي الصباح الرابع كن في "الجولان" يطرقن صخرها وقد تجرّحت حلمات ضروعها وهي تشقّ تلك الفجاج الجبلية.
أما الليل الذي قاسينه دون بيسان، فليتنا نقاسي ألف ليلٍ مثله ونصل إليها.
من عند نهر أبي قطرس قرب الرملة لم تكمل النياق الصعود نحو "البيت المقدّس"
ورحن يطلبن بقيع هاشم وقبره
حيث كانت غزّة نائمة عند غُرّة الزمان ساهيةً عمّا يُحاك لها من كوابيس.

"ولما أتتْ فسطاط مصرَ أجارها
على ركبها أن لا تزال مُجيرُ
من القومِ بسّامٌ كأنَّ جبينه
سنا الفجر يسري ضوؤه وينيرُ..."

فلتنته الرحلة ههنا
فلتنته عند هذين البيتين
لا تتذكّر
ولا تُردّد غيرهما
وهم يودِعونك "غرفة التوقيف"
في مطار القاهرة.


اقرأ أيضاً: حكاية من شيراز

المساهمون