"عين" محسن غريب.. طواف مع الحرف

"عين" محسن غريب.. طواف مع الحرف

07 فبراير 2018
(مقطع من أحد أعمال المعرض)
+ الخط -
تحتضن قاعة "بيكار للفنون" في الكويت معرض حروفيات الفنان البحريني محسن غريب منذ منتصف كانون الثاني/ يناير، وقد كان الحدث الأكثر إثارة فيه هو قيام الفنان بعرض حي أمام الزائرين، كشف فيه جانباً من التقانات المستخدمة في تشكيل لوحاته، تقانات تتراوح بين الخطاطات الكتابية (الغرافيكية)، وطباعة بوساطة قوالب جاهزة، ونثر مواد تأثيرية تشبه حبيبات رملية لامعة، بالإضافة إلى طغيان الألوان الصاخبة والزاهية.

أطلق الفنان على معرضه اسم "عين" لأنه، كما يقول، يعشق هذا الحرف بخاصة، كما يعشق الحرف العربي بعامة، ويرى فيه جمالاً خلاباً هو الأقرب لثقافتنا العربية والإسلامية. ويلمح المتأمل في لوحاته تشكيلات حروفية مستمدة من آيات قرآنية تبرز فيها صور متعدّدة لحرف العين، وفي سياقات مختلفة المعاني، مثل " تُسقى من عين آنية"، أو "وحور عين"، أو "فيها عين جارية".

الواضح هنا أن التركيز على هذا الحرف مع ما يثيره من معاني لا ينصرف إلى حسّ تشكيلي صرف بقدر ما يتجه إلى إيجاد تواشج بين الحس التشكيلي وأحاسيس فنية أخرى ذات علاقة بقيم معنوية. كل هذا وسط دوامات لونية تميّز أعمال هذا الفنان، غلبت عليها في تسعينيات القرن الماضي الألوان الترابية والرمادية، قبل أن ينتقل إلى مرحلة الألوان الزاهية، وأبرزها لونه المفضّل؛ الأزرق الطاغي، لون البحر والسماء.

التواشج بين الحس التشكيلي وأحاسيس فنية متنوّعة، شعرية وموسيقية وصوفية، من سمات هذه المدرسة الحروفية العربية منذ إعلان بيان الحروفيين العرب الصادر عن مؤتمر التشكيليين العرب الأول في بغداد (1973) عن وصول الخطاط العربي إلى مرحلة التوفيق بين قواعد فن الخط نفسه وقواعد فن الزخرفة. وأعلن الحروفيون آنذاك عن استطاعتهم استخدام الحرف كزخرف مفرغ من المضمون ينعكس على الفنون الأخرى.

إلا أن تنوّع الاتجاهات تجاوز هذه الحدود التنظيرية إلى فضاءات أكثر رحابة. ويظهر هذا جلياً في أن معاهد الفن التشكيلي وأكاديمياته العربية تجاور بين عدد من الأقسام الفنية، بين الفن التشكيلي وفن التمثيل والفن الموسيقي، وكانت النتيجة الملموسة استلهام البعد الصوفي (شاكر حسن آل سعيد)، واستلهام البعد الأثري (ضياء العزاوي)، وتبني تشكيل حروف الطغراء (وجيه نحلة).

والجدير بالملاحظة أن فنانين أجانب سبقوا الفنانين العرب المعاصرين في النصف الأول من القرن العشرين في الاستفادة من أشكال الحروف العربية الانسيابية (فاسيلي كاندنسكي)، والتجريدية (بول كلي)، وأحدث هؤلاء الفنان فلاديمير بوبوف (1924) من تتارستان الروسية الذي يستفيد من التشكيل البصري للكتابة التخطيطية العربية من دون أن يعرف ما تقوله نصاً.

هذا الوعي بقيمة الحرف العربي التشكيلية، وبدايته محاولة في تأصيل الفن العربي ضمن مناخاته المعرفية، نجد صداه لدى محسن غريب، فهو يخرج على الهاجس التزييني والتوضيحي اللذين تميزت بهما الحركة الحروفية في البداية، ويطمح إلى استثارة حس حضاري وصلة ثقافية باستخدام آيات قرآنية، ومزج ذلك بأحاسيس لونية باعثة على النشوة والبهجة، إلا أنه لا يبتعد كثيراً عن التغزّل بجماليات الحرف، أو الشغف به على حد تعبيره كما هو حال عدد آخر من الحروفيين العرب.

وتظل المسافة بعيدة بينه وبين تجارب أكثر عمقاً ذهبت إلى إيجاد تواشج بين الحرف وعدد من الفنون، مثل فن الشعر، أو الكتابة العفوية على الجدران، أو جعل الحرف فضاءً تأويلياً أحد طرفيه الكلمات المحذوفة والجمل الناقصة حين يرى فيها الفنان بعداً جمالياً.

أي أن الحروفية على يد عدد من الفنانين تجاوزت منذ زمن مجرّد استنساخ الحرف، سواء كان نصاً قرآنياً أو شعرياً، إلى جعله عنصراً من عناصر تحويل العمل الفني إلى مرجع بحد ذاته يفارق نسخة الواقع، بحيث يصبح العمل الفني هو مرجع الواقع، أي نسخة القياس الأصلية.

المساهمون