الجامعة الفرنسية.. بين إسلاموفوبيا وعلمانوفوبيا

الجامعة الفرنسية.. بين إسلاموفوبيا وعلمانوفوبيا

06 فبراير 2018
(من استعدادات لمسيرة ضد الإسلاموفوبيا في باريس، جوفروا فاندرهاسل)
+ الخط -

قبل أشهر، وتحديداً في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عبّر كثير من أنصار "إسرائيل" ومن اليمين الفرنسي عن سعادتهم لأن جامعة ليون الثانية ألغت ندوة حول "مكافحة الإسلاموفوبيا، رهان مساواة".

وكان وراء هذا المنع، في البداية، أحد مؤسسي ما يسمى "الربيع الجمهوري"، لوران بوفي، المحسوب على اليسار، والأستاذ في جامعة فيرساي، والذي رأى في تغريدة له في تويتر بتاريخ 22 أيلول/ سبتمبر أن الندوة عبارة عن "لقاء يجمع الكثير من الإسلامويين تحت غطاء أكاديمي"، وعبّر عن قناعته بأن هذه الندوة "تحمل رائحة علمانية-فوبيا".

غير أن ما زاد من امتعاضه الشديد هو إعلان حضور رئيس "مرصد العلمانية"، جان لويس بيانكو، من خلال قراءة رسالة له. ومعروف أن هذا المرصد الحكومي يدافع عن علمانية متسامحة، ولا يعتبرها، بأية حال، في حالة حرب مع أي ديانة، ولا ينبغي لها ذلك، وسبق له أن دخل في جدل مع رئيس الحكومة الأسبق، مانويل فالس، الذي يُعتبر من أنصار علمانية متطرفة (علمانوية).

ثم انتشرت النار في الهشيم، فقد تلقفت التغريدة مواقع فاشية يمينية متطرفة، مندّدة بالندوة وداعية لإلغائها، متهمة المنظّمين بتبني رؤية ترى أن "الدولة، هي أيضاً، تمارس عنصرية".

وكان رد بلانكو قوياً، من حيث تأكيده على أنه لا يوافق على القول بـ"عنصرية دولة"، كما ترى كثير من الجمعيات المعادية للعنصرية، و"الدولة، ومؤسساتها تكافح ضد كل خطاب كراهية وضد كل أنواع التمييز، وخاصة في ما يتعلق بالقناعات أو الديانات".

وسرعان ما انضمّت ما تسمى "الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية"، المعروفة بتبعيتها لـ"إسرائيل"، إلى الحملة ضد انعقاد الندوة، وهو ما ساهم في قرار الجامعة الفرنسية إلغاء هذه الندوة.

وقد كان تبرير الجامعة للحظر دبلوماسياً وبعيداً عن الصراحة والحقيقة، إذ أعلنت: "لقد قدّرنا أن الشروط لم تكن متوفرة لضمان الهدوء والسير الجيد للنقاش حول مسألة الإسلاموفوبيا".

ووفقاً للقاعدة "كما تدين تدان"، نجد نفس الشخص والأكاديمي الذي كان وراء إلغاء ندوة ليون حول الإسلاموفوبيا المتغلغلة، لوران بوفي، المحسوب دائماً على اليسار، يكتب في مقال له في صحيفة "لوفيغارو" اليمينية، منتقداً طلب نقابة "سولدير" (متضامنون) الطلابية اليسارية من رئاسة جامعة باريس السابعة إلغاء عرض مسرحية مستوحاة من نصّ كتبه مدير "شارلي إيبدو"، الرسام الكاركاتيري شارب، بعنوان: "رسالة إلى نصّابي الإسلاموفوبيا". ورأى في طلب الحظر "ممارسَة رقابةٍ على شارب (شاربونيي: مدير شارلي إيبدو، السابق الذي اغتيل في الهجوم الإرهابي على الصحيفة". وأضاف للعنوان جملة: "الانحراف الهوياتي يصل، أيضاً، إلى الجامعة".

الغريب أنه سُمح بعرض المسرحية، ويعترف لوران بوفي، بأنه لم يحضر سوى عشرين شخصاً من المحتجين. ويضيف أن نفس المسرحية عُرضت في جامعة فلانسيان، يوم 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، لكن "أمام جمهور محدود"، والسبب هو "غياب دعاية للمسرحية". وطبعاً، فقد كان غياب الدعاية هذا مقصوداً خوفاً من تحريك أصوات رافضة للعرض.

ويعود بوفي إلى الوراء محتجاً لأن "نفس المسرحية تم إلغاؤها، في آذار/ مارس 2017، في قاعة تابعة لجامعة ليل 2". ويضيف الأكاديمي أن الأمر لا يقتصر فقط على الجامعات، إذ أن "رفض برمجتها وأيضاً إلغاء عروضها حدث في قاعات أخرى للمسرح وأيضاً في بعض البلديات".

ويتساءل عن سبب المعارضة التي تلقاها هذه المسرحية، التي يقول إنها تدافع عن حق التعبير والكاريكاتير. ويتساءل، أيضاً، وهو اليساري، لماذا تأتي المُعارضة لهذه المسرحية من اليسار، الذي لم يكن شارب يخفي انتماءه إليه.

ثم يستعرض مبرّرات رافضي عرض المسرحية، من طلبة جامعة باريس السابعة ومن بعض شخصيات الجامعة، ومنها أن "مثل هذا الحدث، يستتر خلف العلمانية من أجل شرعنة أعمال العنف التي تستهدف، بشكل خاص، المسلمين أو من تعتبرهم مسلمين، لا يمكن أن تبرمجه وتضمنه جامعتنا".

وبالطبع، يحاول كاتب المقال أن يبحث عن تناقض في مواقف الرافضين فيتحدث عن رغبتهم في "حظر كلام شارب، بينما يشجعون كلام المدافعين عن رؤية راديكالية للإسلام، مخالفة لحرية التعبير والكاريكاتير".

ويرى، في نوع من الوشاية والتضليل، أن هؤلاء الطلبة والباحثين والنقابيين "ينظمون مؤتمرات وندوات مع شخصيات وجمعيات منحدرة من هذه الحركة الإسلاموية والهوياتية: "حزب أهالي الجمهورية"، و"التجمع ضد الإسلاموفوبيا" و"التنسيقية ضد العنصرية والإسلاموفوبيا" و"التجمع الأفرو-نسواني"". لكنه لم يتحدث عن دوره في إلغاء ندوة ليون.

ولأن الجامعات الفرنسية، لحد الآن، لم تفرض حظر الحجاب، رغم نداءات الكثيرين من اليسار واليمين، كما فعلت المدارس والثانويات، منذ 2004، وبالتالي فهي لا تزال مركزاً ديمقراطيا للنقاش، في ظل تقلّص أماكن التعبير، لأسباب ذاتية وموضوعية، كالرقابة والإعلام المعادي ثم استغلال ما بعد الاعتداءات الإرهابية لفرض المزيد من الرقابة ومن حالة الطوارئ، التي استهدفت باعتراف كل المنظمات الحقوقية الفرنسية والدولية، المسلمين في غالبيتهم القصوى، يتساءل لوران بوفي، في نوع من الأسى: "لماذا أصبحت الجامعات، بامتياز، مكاناً للعلاج من جروح هوياتية بدل أن تكون مكاناً لبيداغوجيا التحرر؟"، ثم يخاطب بعض اليسار الإنسانوي: "لماذا يجد فيها يسارٌ منحَرِفٌ ملجأً متواطئاً؟".

ويفسّر تضامن هذا اليسار مع قضايا الأقليات المظلومة والتي تخضع للتمييز، بأنه نوع من "سجن الفرد في انتماءاته المفترَضَة، والتظاهر باعتبار كل من لا يشبه "الرجل الأبيض الغربي" بأنه "من معذَّبي الأرض"". وهي مواقف لا تروق لبوفي، الذي لا يرى في كل مطالب الأقليات والجمعيات التي تدافع عن هذه الأقليات، سوى ما يكرّره، دونما توقف، اليميني الرجعي إيريك زيمور والفاشية إليزابيث ليفي وآخرون ومن خلفهم مجلات وصحف مثل "ماريان" و"كوزور" و"لوفيغارو" وغيرها، من "عنصرية تجاه الرجل الأبيض"، وكأن العنصرية في فرنسا ضد الأقليات، العرب والسود واليهود والصينيين، لا وجود لها.

وتجدر الإشارة إلى أن موقع ومجلة "كوزور"، اللذين خاضا حملة شرسة لإلغاء ندوة ليون الثانية حول الإسلاموفبيا، من خلال حملة رقابة غير مسبوقة، يقلبان الحقيقة، هذه المرة، في ما يتعلق بمسرحية شارب، التي تهاجم كل الجمعيات التي تدين الاسلاموفوبيا في فرنسا.

وعلى الرغم من ابتهاجهما لأن رئاسة الجامعة لم تلغ عرض المسرحية، إلا أنهما اعتبرا أن "تكتيك تهديد مُمارِسي الرقابة، نجح.." في تلميح للعدد الهزيل من الحاضرين، وفي "الرُقيّ" بالجمعيات المناهضة للعنصرية في فرنسا إلى مصافّ "مُمارسي الرقابة" في فرنسا.​

المساهمون