أنصار الفيل

أنصار الفيل

02 فبراير 2018
عمران يونس/ سورية
+ الخط -

تُستخدم مسرحية سعد الله ونوس "الفيل يا ملك الزمان" كثيراً للتنديد بالصمت أو التردّد أو الخنوع الذي تُظهره الجموع أمام السلطة، ففيها تعجز تلك الجموع عن المطالبة بردع فيل الملك الفالت الذي يدوس على أجساد أبنائهم في شوارع المدينة.

ولا يزال الأدب السياسي الشفوي والكتابي يهجو من يسمّيهم الأغلبية الصامتة، وثمّة من يسمّيهم الرماديين، وبينما تُطلق الكتابة السياسية عليهم نعوتاً سلبية في الغالب، يترك الكلام الشفوي لنفسه الحقّ في شتمهم وتجريسهم ووصفهم بأقذع الصفات. واللّافت أن أكثر من يعلن ضيقه بهم وضجره من سلبيتهم ولا مبالاتهم تجاه الأحداث الكبرى هم الثوّار.

وخطأ الثوّار أنهم في فورة حماستهم يهملون التعاون معهم، وقلّما يعاملونهم برحمة أو باحترام، ويطلقون أحكاماً قاسية عليهم. مثل: وصوليون. انهزاميون. بل إن صفة الرمادي ذاتها تستبطن معاني توبيخية وإدانات سياسية في أغلبها. وقد يتسبب هذا في ابتعادهم عن أي مشاركة في الثورة بما في ذلك أعمال الإغاثة. وفي هذه الحالة يسارع النظام إلى احتوائهم.

ففي زمن التبدّلات الكبرى والثورات يبدو الجانب الثائر غامضاً وغير مستقر في نظر الأغلبية الصامتة، بينما تقدّم السلطة الحاكمة نفسها حامية لهم، وممسكة بصمّام الأمن.

وفي لحظة تخلّي الثورة عنهم، يتمكّن النظام السياسي من ابتلاعهم وتجنيدهم إلى جانبه. وإذا لم يحملوا السلاح للقتال إلى جانبه، فإنه قد يكتفي منهم بالتصفيق. وفي الغالب يتألّف الجمهور الحاشد الذي يصفّق ويردّد الشعارات في المسيرات التي تنظمها الأنظمة الشمولية من الرماديين، وهم أولئك الذي يسيرون وسط الشوارع في المسيرات المؤيدة، بينما يحف بهم أنصار الزعيم، أو الحزب المسيطر من الجانبين.

وعدد الرماديين هو الأكبر من بين مواطني البلدان التي يتحكّم بها الطغاة والعسكر والأحزاب الحديدية. لكن الرمادي المسكين محشور بين فكّيْ الكماشة، فلا النظام الحاكم يرضى عن سلوكه ومواقفه التي لا يُعلن فيها انحيازه إلى جانب أحد، ولا المعارضة تقبل به. وكلاهما قد يعتبرانه عدواً محتملاً له، أو منحازاً إلى العدو.

ويظهر هذا الاعتبار في الشعار الشهير الذي يتردد في عصرنا: "من ليس معنا فهو ضدنا" وهو شعار يتوجّه إلى الرماديين مباشرة، ويمكن أن يضمر الرغبة في زوالهم من الوجود، أو انحيازهم إلى جانب صاحب المقولة. ولكن الرماديين أنفسهم ليسوا أبرياء تماماً في الورطة، ويمكنهم أن يتوسّلوا الرحمة لأنفسهم حين يقفون في صفوف المتردّدين، إذا ما كانت الحرب متعادلة، أو إذا لم تظهر نتائجها الواضحة، ولم يعرفوا لمن الغلبة. ويمكن لمن لديه زيادة في كمية اللون من بينهم أن يتحوّل إلى متشدّد وصولي يقاتل بشراسة إلى جانب الغالبين.

الغريب أن معظم من التقيتُ بهم ممن قرؤوا مسرحية سعد الله ونوس، أو سمعوا حكاية فيل الملك، لم يدينوا فعلة زكريا الخائن الذي قاد التمرّد في البداية، ثم انقلب ضدّه حين يئس من الناس، وصار من أنصار الفيل. المعروف أنه طلب من الملك أن يأتي بفيلة أنثى لتنجب آلاف الفيلة. أما مؤيدوه اليوم فيقولون عن الصامتين: "خليهم بيستاهلوا".

المساهمون