"ذكرى فبراير": الثورة المضادة تحبط التغيّر الثقافي

"ذكرى فبراير": الثورة المضادة تحبط التغيّر الثقافي

11 فبراير 2018
(غرافيتي للفنان اليمني مراد سبيع بعنوان "باقة ورد")
+ الخط -
امتاز "الربيع العربي" بتلازم الحراك الثقافي مع فعل الاحتجاج على الأرض، انطلاقاً من فكرة مفادها أن الثورة منظومة قيم تستهدف التغيير في جميع جوانب الحياة، ولا معنى لأي تغيير ما لم يكن مصحوباً بتغيير في ثقافة المجتمع وفكره، والعمل على صناعة وعي ثقافي وسياسي جديد لدى الشباب الذي شكّل محرّك الثورات.

رسم المتظاهرون في ساحة الحرية في مدينة تعز اليمنية ثورة 11 فبراير/ شباط عام 2011 ملامح المشهد الثقافي الجديد عبر قصائدهم وأغانيهم ولوحاتهم التشكيلية ومسرحهم، وفي هتافات قصيرة تمتاز بالسخرية وشمولية المطالب وقداستها لدى المحتجين.

مع الأيام الأولى أنتجت ساحة الحرية عدداً من الأناشيد؛ من أبرزها نشيدي "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل" من كلمات الشاعر نبيل الحكيمي وإنشاد إحدى الفرق المحلية بلحن حماسي منحهما صدى واسعاً في جميع ساحات الثورة، حتى أصبحا بمثابة الأيقونة المعبرّة عن الثوار وعن مطالبهم التي يرفعونها.

ولعل من أبرز الأناشيد التي أبدعتها ساحة الحرية نشيد "قسماً بربك يا شهيد" من كلمات عبد الواحد زيد وأداء الفنان بلال الأغبري وكورال "فرقة البلابل"، وهو نشيد ذو طابع حزين يرثي الشهيد الذي سقط في ثورة شباط/ فبراير بأسلوب يفيض بالشجن، ويجدد له العهد على السير بنفس الطريق الذي اختاره وهو طريق الثورة السلمية حتى استكمال وتحقيق أهدافها.

افتتح النشيد بعبارات: "قسما بربك يا شهيد/ يا رمز ثورتنا الأبي/ يا مشعل الفجر الجديد/ يا شمس كل العرب/ إني سأبقى ثائراً/ إما الردى أو مطلبي/ هذي الحروف تسعرت/ نحو العدى كالشهب" إضافة إلى مجموعة من الأغاني التي أبدعها الأغبري مثل نشيد "اشتدي يا يمن اشتدي" ونشيد "والله بلدنا نورت".

يرى الشاعر أحمد الكحلاني في حديثه لــ"العربي الجديد" أن "ساحات الثورة كانت أشبه بصورة مصغرة للوطن المنشود الذي تلتقي فيه جميع فئات الشعب على اختلاف الانتماءات الفكرية والثقافية، ما جسّد ثقافة التعايش والقبول بالآخر واستفادت كلّ ثقافة من الثقافات الأخرى، ما خلق حالة من التلاقح الثقافي وحالة من الوعي الفكري الناتج عن فضاء حرية التعبير التي وُلدت في الساحة، ولذا فقد أبدع الشعراء والفنانون وهم يوثقون اللحظة بالحرف والفرشاة واللحن".

ليست الأناشيد والقصائد فقط ما عبّرت عن حراك ثقافي أنتجته الساحة، بل إن هتافات الثورة كانت فناً أدبياً مميزاً جمع بين التكثيف (تكثيف الفكرة العامة في كلمات قليلة) والسخرية، ومنها "يا علي ارحل ارحل .. الكرسي تحتك ذحَّل" وكلمة "الذحل" باللغة الدارجة تعني الصداء، في إشارة إلى طول فترة حكم علي عبد الله صالح التي جاوزت اثنين وثلاثين عاماً، دون أن يسلمّ السلطة للشعب وهو يتحايل إما بتزوير الانتخابات أو بتعديل الدستور بما يمدّد من عمر نظامه، وصولاً إلى سياساته الهادفة إلى التوريث حيث كان يعد نجله أحمد لتولي الحكم من بعده.

ركّزت معظم الشعارات على مطلب إلقاء القبض على القتلة وتقديمهم إلى القضاء ليتم محاكمتهم وينالون الجزاء العادل على ما اقترفوه من جرائم قتل بحق المتظاهرين السلميين، حيث تردّد ذاك الهتاف في ساحة الحرية طويلاً "قولوا الله قولوا الله، لازم يعدم علي عبد الله" وهتاف "الشعب اليمني قرّر، القاتل لازم يعدم".

بعد سبع سنوات من قيام الثورة، وقعت أحداث عديدة وتغيّرت مواقف الثوار الذين انقسموا بين الانقلاب والشرعية والقوى المؤيدة لها، فيما فقدت معظم الهتافات معانيها أو تناساها الثوار في ظلّ المتغيرات الحاصلة على الساحة اليمنية والتي كان أبرزها مقتل علي صالح في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر الماضي على يد حلفائه في الانقلاب من جماعة الحوثيين.

هذه المتغيّرات السياسية قادت إلى هروب قيادات عسكرية وسياسية من منظومة صالح كانت قد ارتكبت الجرائم بحق شباب الثورة، إلى المناطق التي تخضع لحكم التحالف العربي في ظل حماية توفرها لهم الحكومة الشرعية، ما تسبب بخلق حالة من السخط والغضب الشعبي لدى الثوار الذين فقدوا ثقتهم بالشرعية، واعتبروها تساهلت مع نجاح الثورة المضادة المدعومة من دول التحالف العربي الهادفة لعودة نظام صالح إلى الحكم.

خلال الحرب المستمرة في اليمن، عاد معظم أركان النظام الذي ثار عليه الثوار في 11 شباط/ فبراير 2011 وأصبحوا اليوم يتصدّرون نظام الشرعية بدءاً من الرئيس عبدربه منصور هادي ونائب الرئيس علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر.

يقول الناشط الشبابي سمير الوتيري لــ"العربي الجديد" إن "شباب الثورة اليوم يعيشون حالة من الإحباط نتيجة شعورهم بالالتفاف على أهدافها، بعد أن تمّ الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني التي كانت الحامل الأخير لأهداف الثورة، إضافة إلى ما أفرزته التغيرات السياسية من واقع جديد قاد معظم رموز النظام السابق للتربع على رأس السلطة الشرعية وهو ما أضعفها وزاد الوضع سوءاً".

المساهمون