نحميا سعد.. عودة إلى المعلّم المنسي

نحميا سعد.. عودة إلى المعلّم المنسي

30 ديسمبر 2018
(لوحة "الظهر"، من المعرض)
+ الخط -

في كتابه "برنارد رايس: الأب المجهول للجرافيك المصري"، يقف الباحث المصري ياسر منجي عند السيرة التراجيدية لـ التشكيلي المصري، نحميا سعد (1912 - 1945)، الذي يُقيم له غاليري "سفرخان" في القاهرة معرضاً بعنوان "المعلّم المنسي"، يضمّ بعض أعماله الأصلية، إلى جانب نسخٍ مطبوعة عالية الجودة.

يُعدّ سعد أحد فنّانِي الجيل الثاني من الروّاد في التشكيل المصري. التحق بـ"كلّية الفنون الجميلة" عام 1928، وتخرّج منها عام 1933، ورُشّح للمشاركة أوّلاً قي "بينالي فينسيا"، وتالياً في "المعرض الدولي للفنون في الحياة الحديثة" في باريس عام 1937، وهناك حصل على ذهبية المعرض عن أعماله التي زيَّنت بوّابة الجناح المصري؛ وهي 18 لوحةً تُجسّد الحياة في مصر، وتمتد على مساحة 30 متراً.

سرعان ما اهتمّ النقّاد الفرنسيون بسعد، وكتبت عنه الصحافة الثقافية هناك. لكن المفارقة أن صحافة بلاده تجاهلته تماماً وقتها، ولم تثن على أحدٍ من المشاركين في الجناح المصري سوى محمد ناجي (1888 - 1956) الذي جمعته علاقات مع شخصيات نافذة في القاهرة، وقد عُيّن رئيساً لـ"كلية الفنون الجميلة" بمجرّد عودته من تلك المشاركة، رغم أنه لم يكن الفنّان الذي لفت الانتباه فيها.

نفهم من رواية منجي عن حياة سعد أنه كان محروماً من الثناء، ليس لعلّة في أعماله التشكيلية، ولكن نتيجة للغيرة التي يُواجهها أيُّ فنّان مختلف عن السائد ويفوق زملاءه في رؤيته الفنية وأدواته التشكيلية. وإلى جانب تجاهله والتقليل من قيمته من قبل الفاعلين في المشهد الثقافي المصري، كان سعد قليل الحظ لأن هؤلاء من كانوا يتحكّمون بحضوره التشكيلي في مصر، أو مشاركاته خارجها.

تقول روايات متفرّقة وغير موثّقة إن سعد أُرسل إلى العمل في مراسم الأقصر، ثم أصبح يُستبعَد من المشاركة في المعارض منذ نجاحه في باريس. استمرّ ذلك طيلة أشهر، ما تسبّب في تدهور وضعه المادي، حتى وصل به الأمر إلى الجوع والمرض حيث أصيب بدرن الرئة، ومات شاباً في تكية متواضعة كان يعيش فيها في حلوان في نيسان/ أبريل 1945.

حتى اليوم، لا يزال سعد مهمّشاً؛ فإن بحثت عنه في أرشيف الإنترنت، فنادراً ما تجد مقالاً يتناول فنّه أو شريطاً وثائقياً يعيد إليه الاعتبار، أو قراءة نقدية في طبيعة عمله وتفاصيل لوحاته.

انشغل الفنّان المصري برسم المرأة في عزلتها، وفي حياتها الخاصة. من أبرز لوحاته "الظهر"، التي يُجسّد فيها امرأةً مستلقيةً بثوب وردي وتعطي ظهرها للمتلقّي في حالة من السلام اللوني الضبابي، كما لو كانت المرأة تظهر من خلف غلالة نشعر بوجودها دون أن نراها.

أين أعمال سعد كلّها؟ هل اقتناها أحد المتاحف المصرية؟ وهل خُصّص له جناح في واحد منها؟ وأخيراً، هل هناك نية لتوثيق هذه التجربة في فيلم وثائقي أو كتاب متخصّص مثلاً؟ لعلّ ذلك أقلّ ما يمكن فعله لإعطاء الفنان حياة جديدة في ذاكرتنا.

المساهمون