ذكرى ميلاد: نبوية موسى.. حياتها بقلمها

ذكرى ميلاد: نبوية موسى.. حياتها بقلمها

17 ديسمبر 2018
نبوية موسى
+ الخط -
تروي نبوية موسى في كتاب "حياتي بقلمي"، ما تعرّضت إليه من متاعب اعترضتها وهي التي تحمل اليوم لقب "رائدة التعليم في مصر". يمتدّ حديثها من طفولتها إلى أن أصبحت مديرة مدرسة، وبينهما تعدّد الصعوبات والعوائق ومنها مناكفات الرجال لها من معلمين ومفتشين مصريين وإنكليز.

تبدأ موسى، التي تحل ذكرى ميلادها اليوم، كتابها بوصفه "تحليلاً نفسياً لفتاة قضت عمرها في جهاد مستمر، وهي نفسها لا تعرف إلى الآن أكان سبب هذا الجهاد والنضال المستمر خطأ صدر منها أم هو خطأ المقادير".

كانت موسى تنشر مذكراتها، التي لا تخلو من التنظيرات النسوية وإن أتت قبل هذه التسمية، على شكل مقالات في مجلة "الفتاة" التي أسستها عام 1937، وقد طلب منها قراؤها أن تجمع هذه الذكريات في كتاب، فقامت بإصداره فعلاً، وأعادت منشورات المرأة والذاكرة في القاهرة إصداره عام 1999.

تحل ذكرى موسى اليوم لتضعنا أمام سؤال التعليم من جديد، وتعليم الفتيات على الخصوص، والذي تعتقد الأنظمة العربية أنها أنجزته فعلاً بإقرار التعليم الإلزامي وتوفيره مجاناً حتى مرحلة الثانوية العامة، لكن لو تحدثنا فقط عن الأمية في البلدان العربية سنجد أنها بلغت في سنة 2014 حوالي 19% من إجماليّ السكان، وبلغ عدد الأميين نحو 96 مليون نسمة، كما لا تزال نسبة الأمية عند الإناث ضعفها عند الذكور، وذلك وفق إحصائيات "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" (الألكسو).

أما لو تحدثنا عن وصول الفتيات إلى درجات متقدمة في التعليم، فسنجد رقماً مهولاً يصدمنا من تدنّي هذه النسبة، بسبب الفقر والبطالة التي ازدادت في العقود الأخيرة، أصبح من المتعذر متابعة آلاف الفتيات الدارسة الجامعية، أو حتى إنهاء التعليم المدرسي، وهذه الحال تفاقمت في العراق وسورية واليمن ومصر، بسبب الحروب واللجوء والاهتمام بمدن المركز وتجاهل القرى النائية، والفقر المتزايد الذي يدفع الفتيات إلى الزواج المبكر أو التوجه نحو سوق العمل المتاح لهن في عمر صغير.

لقد نجحت الأنظمة إلى اليوم في فرض خسائر باهضة على شعوبها، وفي الوقت الذي بدا الجهد واضحاً في مسائل مثل إجبارية الجيش أو كما هو الحال في فرض الضرائب، إلا أننا لا نلمس الأمر نفسه على مستوى فرض التعليم بشكل عملي.

من جهة أخرى، ففي حين كان العمل النسوي والمطالبة إلى الحقوق مبادرة فردية يكرّس من أجلها مناضل أو مناضلة حياته أو حياتها، فأننا في عصر الـ NGOs التي تعيش وتأخذ تمويلاتها على حساب تراجيديا المجتمعات العربية، ورغم الأعداد المهولة لهذه المنظمات إلا أنها لم تنجح نظير ما حققته شخصيات نسوية رائدة واجهت مجتمعاً بفتح مدرسة أو نشر كتاب مثير للجدل.

وبالعودة إلى حالة نبوية موسى، فقد كانت امرأة استثنائية، ذكرها العقاد في كتاباته أكثر من مرة، فقد كانت زميلة في المدرسة وتفوقت عليه فيها، والتقت به أكثر من مرة أثناء ترددها على صحيفة "الأهرام"، حيث كانت تنشر بعض مقالاتها.

لم يكن تعليم نبوية نفسها بالتجربة اليسيرة، فقد ناضلت كثيراً لكي تتمكن من إتمام تعليمها، وكان شقيقها معيناً لها في هذا النضال بعد اختفاء والدها الضابط في السودان، وكانت أول فتاة مصرية تسجل في امتحان الثانوية بمجهود ذاتي دون الذهاب إلى مدرسة، فلم يكن في مصر آنذاك مدارس ثانوية للبنات وتقدمت لهذا الامتحان متحدية مستشار التعليم الإنكليزي دانلوب، لتكون أول مصرية تحصل على الثانوية العامة عام 1907 ثم دبلوم المعلمات عام 1908 ثم الشهادة العليا من مدرسة الحقوق.

كانت تدعو إلى خلع الحجاب ولذلك بدأت تكشف وجهها ويديها، فظن الناس أنها مسيحية، لكنها خشيت أن تكتب صراحة رأيها فيه، لكي لا تتهم بما اتهم به قاسم أمين بالدعوة إلى الفجور.
لكنها لم تسلم من السخرية، حتى في مسائل ثانوية، مثل إشارة الشيخ عبد ربه مفتاح إلى كونها ليست جميلة، فقال لها "إن كنت تطلبينه لك أنت دون سائر النساء فأنت بحكم الشريعة في حل منه؛ لأن المانع من السفور هنا ممنوع!" في إشارة إلى أنها لن تلفت الأنظار إليها ولن تثير أحداً بسفورها، وقد كانت تميل إلى ارتداء البدلة الرجالية السوداء وربطة العنق أيضاً.

كانت هي أيضاً تسخر من نفسها وتعلن ذلك، فحين تقدم إليها أحد الأشخاص، فطلبت من أخيها أن يكتب إليه ""إنك لو رأيت أختي لما تقدمت لها لأنها دميمة الخلقة"، وقالت عن عريس آخر: "لو لم يكن هذا الرجل مؤدباً لعاقبته بإرسال صورتي إليه". كانت موسى تكره الزواج، وعنه تقول: "أنا أكرهه وأعتبره قذارة. وقد صمّمتُ أنْ لا ألوّث نفسى بتلك القذارة".

تدرجت نبوية في مهنة التعليم، إلى أن أصبحت أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية في الفيوم؛ فزاد الإقبال على المدرسة، ثم تعرضت للتحديات والمشاكل من المجتمع الرافض لتعليم البنات فرشحها أحمد لطفي السيد ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة.

أسست نبوية مدرستها الخاصة عام 1920 في القاهرة، وأطلقت عليها "مدرسة البنات الأشراف" وأصبح لها سمعة وشهرة كبيرة، وفاقت مصروفاتها مصروفات المدارس الأميرية وزاد الإقبال عليها، فتوسعت وأنشأت مدرسة أخرى في الإسكندرية.

نشطت موسى بين عامي 1937 و1943، فبدأت تلقي المحاضرات إلى جانب عملها مديرة لمدرستيها في القاهرة والاسكندرية، وكتبت رواية تاريخية باسم "توب حتب" أو الفضيلة المضطهدة، التي كانت تحتوي الكثير من المناقشات العلمية والأخلاقية، ونشرت في هذه الفترة مجموعتها الشعرية الوحيدة، التي وصفتها بالقول: "إن ديوان أشعاري - إن جاز لي أن أسميه كذلك - ليس كدواوين الشعراء كله خيال، بل هو تاريخ إجمالي للحركة الوطنية والنهضة النسائية في مصر".

ظلت نبوية تصدر مجلة "الفتاة" وأسست مطبعة بهذا الاسم أيضاً عام 1937، لكنها كانت مناوئة لسياسات الوفد، الذي ما أن تولى الحكم في شباط/ فبراير 1942 حتى انتقم منها بإغلاق مدارسها ومجلتها ومطبعتها ثم اعتقالها ومحاكمتها.

ساهمت نبوية في تأسيس الاتحاد النسائي، وكانت من الثائرات في مظاهرات 1919 مع هدى شعراوي، اتهمها الإنكليز بأنها تناضل ضدهم واتهمها خصومها بأنها تقف مع الإنكليز، لكن موسى بالعموم لم تكن تفضل الكلام في السياسة، بل كانت تفضل الخوض في التغيير الاجتماعي من خلال التعليم والمساواة والعمل، وفي مذكراتها مواجهة مع أحد الضباط الإنكليز تتحدث فيها عن الفرق بين الحرية والعبودية وبين الاستقلال والاستعمار، على نحو لا يخفي موقفها المبدئي من تحرير المجتمعات ككل، خاصة وأنها علمانية المنطق.

رغم ذلك سنجد نوال السعداوي تكتب عنها في مذكراتها "أوراق حياتي" وقد كانت تلميذة في مدرسة نبوية "كانت التلميذات يطلقن على الناظرة نبوية موسى "بعبع أفندي" في طابور الصباح، أراها تمشي بخطوة تشبه مس هيمر، ترتدي تايير أسود، وجورباً طويلاً أسود، تيربون أسود، عيناها سوداوان مملوءتان سواداً.. كانت تفرض علينا نحن التلميذات ارتداء هذا السواد من قمة رؤوسنا حتى أخمص القدمين… مطّت خالتي هانم شفتيها: نبوية موسى لازم عانس زي طنط فهيمة وعاوزة كل البنات يبقوا عوانس زيّها".

المساهمون