أخبار الحمقى والمغفلين [13]

أخبار الحمقى والمغفلين [13]

15 ديسمبر 2018
رسم: فؤاد هاشم
+ الخط -
فصل: في ذكر المغفلين على الإطلاق

قال الجاحظ: كان لنا جارٌ مغفل جداً، وكان طويل اللحية، فقالت له امرأتُه: من حُمقكَ طالت لحيتُك.
فقال لها: مَنْ عَيَّرَ عُيِّر.
وقال هذا المغفل وقد رأى على بابه قذراً: هذا الذي قذر خلفنا إن كان صادقاً فليقذر في وجوهنا حتى نعلم!
وولد له ولد، فقالوا: ما تسميه؟
قال: عمر بن عبد العزيز!!

نشزتْ على الأعمش امرأتُه، وكان يأتيه رجلٌ يقال له (أبو البلاد) فصيحٌ يتكلم العربية، جاء يطلب الحديث من الأعمش، فقال له:
- يا أبا البلاد، إن امرأتي قد نشزت علي وأغَمَّتْني، فادخل عليها وأخبرها بمكاني بين الناس، وموضعي عندهم.
فدخل عليها أبو البلاد وقال لها: إن الله قد أحسن قسمتك، فهذا شيخنا وسيدنا، وعنه نأخذ ديننا وحلالنا وحرامنا، لا يغرنَّك عموشة عينيه، ولا خموشةُ ساقيه.. و..
فغضب الأعمش وقال: أعمى اللهُ قلبك، قد أخبرتها بعيوبي كلها، أخرج من بيتي.

كان شابٌّ يجلس إلى الأحنف، فأعجبه ما رأى من صمته إلى أن قال له ذات يوم:
- أود أن تكون على شرف هذا المسجد، وأن لك مئة ألف درهم.
فقال الشاب: يا ابن أخي، والله إن مئة الألف لمحروصٌ عليها، ولكنني قد كبرت وما أقدر على القيام بهذا العمل.
وقام.
فلما ولى أنشد الأحنف:
وكأين ترى من صامت مُعْجِـبٍ
زيادتُـه أو نقصُـه في التكـلُّمِ
لسان الفتى نصفٌ، ونصفٌ فؤادُه
فلم يبقَ إلا صـورةُ اللحمِ والدمِ

كان ابنُ عمر يمازح جارةً له، فيقول: خلقني خالقُ الكرام، وخلقك خالقُ اللئام.
فتغضبُ وتصيح وتبكي.. ويضحكُ ابنُ عمر!

وكان لأبي الشوارب ولدٌ أحمق. أمره أبوه بتقيير الجب (طليه بالقار)، فَقَيَّرَه من خارج.
قال أبوه: ما هذا الفعل؟
قال: إذا شئت أن تقلبه على قفاه فاقلبه!
هذا الفتى المذكور احتلم ليلةً في وقت بارد، وكره أن ينغمس في الماء البارد، وطلب شيئاً يسخِّنُ فيه الماء، فلم يجد، فنزع ثوبه وعبرَ النهرَ سباحةً، حتى استعارَ شيئاً يسخن فيه الماء، ورجع سباحةً، ثم سخن فيه واغتسل!

مر طبيبٌ بأبي واسع، فشكا إليه ريحاً في بطنه، فقال الطبيب: خذ الصعتر!
فقال أبو واسع: يا غلام أعطني دواة وقرطاساً.
وقال للطبيب: قلتَ ماذا أصلحك الله؟
قال: قلتُ كفَّ صعتر، ومكوك شعير.
فقال: لِمَ لَمْ تذكر الشعير أولاً؟
قال: ما علمتُ أنك حمار إلا الساعة!

سأل أبو نواس أحد الوراقين: أيكما أكبر سناً أنت أم أخوك؟
قال: إذا جاء رمضان استوينا!
وسرقت منه دراهم، فقيل له: نرجو أن تكون الدراهم في ميزانك.
فقال: من الميزان سُرقت!

دخل رجلٌ على مريض ليعوده، ولكنه عَزَّى أهله به.
قالوا: ولكنه لم يمت.
قال: يموت إن شاء الله!

وكان رجلٌ يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟
قال: بلى. متى يفطر الصائمُ؟
قال: إذا غابت الشمسُ.
قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟
قال: أصبتَ في صمتك، وأخطأتُ أنا في استعدائي لنطقك، وأنشد:
عجبتُ لإزراء العيي بنفسه
وصمت الذي كان بالصمت أعْلَمَا
وفي الصمت سترٌ للعيي وإنما
صحيفة لب المرء أن يتكلما

وجه عمرو بن سلمة أخاه ليشتري لأمه كفناً. فقال للبائع:
لا تنتخبه فإنها- رحمها الله- كانت رديئة اللبس!

قال أبو عثمان البصري: كان إخوة ثلاثة، حمقى، هم: أبو قطيفة، والطبلي، وأبو كلير، وهم أبناء غياث بن أسيد.
فأما أبو قطيفة فكان يحج عن حمزة بن عبد المطلب، ويقول: استشهد قبل أن يحج!..
والطبلي يُضَحّي عن أبي بكر وعمر ويقول: قد أخطآ في ترك الأضحية!
وأبو كلير يفطر عن عائشة أيام التشريق، ويقول: غلطتْ في صوم أيام العيد، فمن صام عن أبيه فأنا أفطر عن عائشة!

وعن ثمامة بن أشرس قال: شهدتُ رجلاً وقد قَدَّمَ خصماً إلى أحد الولاة فقال:
- أصلحك الله، أنا رافضي ناصبي، وخصمي جَهميٌّ، مُشَبِّهٌ مُجَسِّمٌ، قَدَريّ، يشتمُ الحجاجَ بنَ الزبير الذي هدم الكعبةَ على عليٍّ بن أبي سفيانَ، ويلعنُ معاويةَ بنَ أبي طالب..
فقال له الوالي: ما أدري ممَ أتعجبُ، من علمك بالأنساب أم من معرفتك الوثيقة بالألقاب!
قال: أصلحك الله، والله ما خرجتُ من الكُتَّاب حتى تعلمتُ هذا كله!

لما غضب الرشيدُ على ثمامة بن أشرس النميري دفعه إلى سلام الأبرش، وأمره أن يضيق عليه، وأن يُدخلَهُ بيتاً ويُطَيِّنَ عليه، ويترك فيه ثقباً.
ففعل سلام دونَ ذلك، وكان يدس إليه الطعام متعاطفاً معه.
وجلس سلام عشيةً وهو يقرأ في المصحف، فقرأ: (ويلٌ يومئذ للمُكَذِّبون).
فقال ثمامة: إنما الصواب هو (المكذبين).
وجعل يشرح ويقول: المُكَذِّبون همُ الرسُل، والمُكَذِّبين هم الكفار.
فقال سلام: قد قيل لي إنك زنديقٌ ولم أقبل.
ثم ضيق عليه أشد التضييق.
قال: ثم رضي الرشيدُ عن ثمامة فجالسه، فقال الرشيد: أخبروني عن أسوأ الناس حالاً.
فقال كل واحد من الموجودين شيئاً.
قال ثمامة: وبلغ القولُ إليَّ، فقلت: يا أمير المؤمنين، عاقلٌ يجري عليه حكمُ جاهل. فتبينتُ الغضبَ في وجهه، فقلت: ما أحسبني وقعتُ حيثُ أردتَ. وحدثتُه بحديث سلام عن (المكذبون والمكذبين)، فانشرح وضحك حتى استلقى، وقال:
صدقت. والله لقد كنت أسوأ الناس حالاً.

قال رجل من العراق لرجل من الشام، في كلام جرى بينهما: حلق الله لحيتك.
فقال: في مكة إن شاء الله!

تقدم رجلٌ إلى أحد الفقهاء وقال له: الرجل إذا خرجتْ منه الريح، أتجوز صلاتُه؟
قال: لا.
قال: قد فعلتها أنا وجازت!

دعا رجلٌ من الأشراف بمكة فقال:
- اللهم إنْ كنت لا تعرفني، فأنا فلان بن فلان، وأني مررتُ بعبدك فلان وهو يقول شيئاً فيه فحش، فرفستُه فانبطح يفحص برجليه ميتاً. اللهم، قد أقررتُ لك الآن، فاغفر لي، كما تريد!

وخرج رجلٌ إلى السوق ليشتري حماراً، فلقيه صديق له وسأله عن وجهته، فقال:
- إلى السوق لأشتري حماراً.
فقال: قل إن شاء الله.
قال: ليس هنا موضعُ "قل إن شاء الله"، فالدراهم في كمي، والحمار في السوق.
فبينما هو يطلب الحمار سُرقتْ منه الدراهمُ، فرجع خائباً. فلقيه صديقه، فقال له: ما صنعت؟
فقال: سُرقتْ مني الدراهمُ إن شاء الله!

ورث رجلٌ مالاً جزيلاً، فعمل فيه ما اشتهى، فقال أريد أن تفتحوا عليَّ صناعة لا يعود عليَّ منها شيء، فأتلِفُ بها هذا المالَ.
فقال أحد جلسائه: اشتر التمر من الموصل واحمله إلى البصرة.
وقال آخر: اشتر من إبر الخياطة التي ثلاث بدرهم، فإذا جمعت منها عشرة أرطال اسبكها نقداً، تبيعها بدرهمين..
فكان يفعل ذلك حتى فني مالُه.

وقال رجلٌ لامرأته وقد غضب عليها: يا هذه أنا الذي إذا رأيت المرأة تأتي بقبيح أهينُها وأهينُ من يُهينُها!

قال أحمد الحارثي: كنا نتماشى في ليلة مقمرة أنا ورجل، رأى سنوراً أبيض، أسود الذَنَب، فقال لي: يا أحمد انظر إلى هذه السبيكة التي في طرفها المصباح، ترى ممن سقطت؟
وجاء ليأخذها فوثبت عليه ونهشت يده!

وعن الهذيل أنه قال: كان عندنا في المدينة لَحَّامٌ، فجاءته عجوزٌ فقالت:
- أعطني بدرهم لحماً، وطَيِّبْهُ لي، وأخبرني باسمك حتى أدعو لك.
فأعطاها شرَّ لحمٍ، وقال: اسمي (مَنْ تَمُدُّ).
فلما أفطرت العجوز جعلتْ تَمُدُّ اللحمَ، فلا تقدر عليه، فجعلت تقول: لعنَ اللهُ مَنْ تَمُدُّ.
فتلعنُ بذلك نفسها!

دلالات

المساهمون