مفكرة المترجم: مع مارك جمال

مفكرة المترجم: مع مارك جمال

14 ديسمبر 2018
(مارك جمال، تصوير: أليسيا غارسيا دوس أنخوس)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى العربية اليوم.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- أعتقد أن اهتمامي باللغة في الأساس لا يعدو أن يكون محاولة مستمرة من جانبي للتغلب على صعوبة في التعبير عن الذات. القول الذي يسري على الترجمة الأدبية أيضًا، تلك التي أجد فيها مُتنفَّسًا، أو فرصة لقول ما كنتُ أعجز عن قوله. ومن ناحية أخرى، فلم يخطر لي التفرُّغ للترجمة في بادئ الأمر، كل ما طمحتُ إليه مشاطرة الآخرين تجارب جميلة خضتُها قارئًا. وفي هذا الصدد يقول غارسيا ماركيز: "يقرأ المرء كاتبًا بلسان أجنبي فيحسُّ برغبة في ترجمته تكاد تكون تلقائية. الأمر الذي يمكن تفهُّمه، ذلك أن واحدة من ملذَّات القراءة تكمن في القدرة على مشاركة الأصدقاء فيها".


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ترجمة نشرتها هي "خريف البطريرك" لـ غارسيا ماركيز عن دار التنوير. جدير بالذكر أنها المرة الأولى التي تُترجَم فيها الرواية المذكورة عن الإسبانية مباشرة، والمرة الأولى التي يحصل فيها ناشر عربي على حقوق غارسيا ماركيز. يمكن القول إنها تجربتي الأهم بلا منازع حتى الآن. فالكتاب من التكثيف حتى إن القارئ يلهث وهو يطالعه، فما بالك بالمترجم. "خريف البطريرك" هي الرواية التي وصفها صاحبها بأنها "قصيدة في عزلة السلطة"، وبأنها أوفر رواياته حظًّا من التجريبيَّة وأكثرها أهميَّةً عنده بوصفها مغامرة شعرية. وقريبًا تصدر عن دار الآداب في بيروت رواية للكاتب الموزمبيقي ميا كوتو ترجمتُها عن البرتغالية. أرى أنها مبادرة جديرة بالاهتمام الهدف منها تقديم أصوات جديدة ومختلفة إلى القارئ باللغة العربية.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- برأيي أن العقبة الأبرز هي أوضاع المترجم في العالم العربي. فهو لا يلقى التقدير الذي يستحقّ، لا أدبيًّا ولا ماديًّا. لا يمكن إغفال بعض المبادرات الإيجابية التي تسعى جاهدة كي توفّي المترجم حقه، على ندرتها.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- أعتقد أن صناعة النشر في العالم العربي هي التي لا تعترف بدور المحرر إلَّا فيما ندر. فمن جانبي أرى أن التجارب الأثرى والأكثر إفادة هي تلك التي تجمعني بالمحرر. إذ يقف الأخير على مسافة حذرة من المُؤلِّف والمترجم، ناظرًا إلى النصّ من زوايا جديدة. وما أحوج المترجم إلى "عينَيْن جديدتَيْن" ينظر بهما إلى الترجمة التي أمضى في صحبتها شهورًا طوالًا حتى عَمِيَ عما بها من ثغرات وسقطات. من حسن حظي أني قد عملت مباشرةً مع الأساتذة حسن ياغي ورشا عودة (دار التنوير) وسمر أبو زيد (دار الكرمة)، وهم من خيرة المُحرِّرين العرب الذين أفدتُ كثيرًا من خبراتهم الواسعة.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- علاقتي بالكثير من الناشرين ممتازة، تقوم على الثقة المتبادلة والمهنية. وفي ما يتعلَّق باختيار العناوين المترجمة، أسعى قدر الإمكان إلى التمسك بالكتب التي أقترحها بنفسي. أما المقترحات التي أتلقاها، فشرطي الأول في قبولها أن تنال إعجابي.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- أنا ببساطة أترجم ما أحب. وأضع نصب عيني مدى إعجابي واهتمامي بالنص. أما إذا اتَّفق وآرائي السياسية، فهذه قيمة تُضاف إلى قيمته الأدبية.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- أسعدني حظي بالتعرُّف على الكاتب الذي أترجم له في أكثر من مناسبة. كانت أولاها حين تواصلتُ مع الكاتب الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي مقترحًا ترجمة "النسيان". فما إن تلقَّى الرسالة حتى أبلغني بموافقته وتشجيعه. وهكذا استمرّ التواصل بيننا طويلًا، وما زال مستمرًّا. كما رجعتُ إليه غير مرة للسؤال عما استغلق عليَّ من النص. والتقيت به شخصيًّا خلال زيارته إلى القاهرة لتقديم النسخة العربية من "النسيان"، فتأكَّدتُ من رأيي فيه بأنه كاتب شفاف، متسق مع ذاته، لا يخشى نقائصه التي تجعل منه أعظم نبلًا وإنسانية. أعتقد أن العلاقة الطيبة بين الكاتب والمترجم مهمة لإنجاز ترجمة صادقة تصل إلى القارئ مباشرة.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- صحيح. أما أنا فمترجم وكفى. أجد في الترجمة ما يُشبِعني ويُعبِّر عني. وعلى الرغم من الصلة الوثيقة بين الترجمة والكتابة، أرى أن هذه مَلَكة وهذه مَلَكة. وليس من الضروري أن تجتمع كلتاهما للشخص الواحد.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- أول ما يلفت النظر في جوائز الترجمة العربية ندرتها. كما يُلاحَظ أن الأولوية كثيرًا ما تكون من نصيب الكتب الأكاديمية والعلمية. الأمر الذي له ما يفسِّره، علمًا أن هذه النوعية من الكتب قد لا تلقى مثل هذا التشجيع من القراء والناشرين. على كل حال، ربما كان من المُنصِف تحديد فئات للترجمة الأكاديمية وأخرى للترجمة الأدبية.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- ثمة مبادرات جديرة بالإشادة، وإن كانت تنقصها الاستمرارية في بعض الأحيان، وفق ما أرى.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- لا أعرف إن كانت مبادئ أو هواجس. على كل حال، فأنا أعجز عن التسليم بالحلول الوسطى، ولا أترك الترجمة حتى أرى أنها حسنة وأرضى عنها بنسبة كبيرة. على الأقل في حينه، إذ لا تدوم حالة الاقتناع بمستوى الترجمة طويلًا. أحيانًا ما تضطرّني تلك الهواجس إلى استغراق أضعاف الوقت المسموح لتسليم الترجمة. على سبيل المثال، استغرقتُ في ترجمة «خريف البطريرك» قرابة عام كامل، تفرَّغتُ خلاله تمامًا لترجمة الرواية والقراءة عن غارسيا ماركيز وله. علاوة على ذلك، يشقّ عليَّ الجمع بين أكثر من عمل في آن واحد، إذ يستحوذ النصُّ على وقتي وفكري.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم أندم يومًا على ما ترجمت، بل على ما لم أترجم. فأحيانًا تُعرَض عليَّ مقترحات أُضطَرّ للاعتذار عن عدم قبولها آسفًا بسبب ضيق الوقت.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنى أن تلقى الترجمةُ إلى العربية الجديَّةَ التي تستحقها، فتُؤخَذ حقوق المُؤلِّف والمترجم بعين الاعتبار، وتكون الترجمة عن اللغة الأصلية لا عن لغة وسيطة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. أما عن حلمي بوصفي مترجمًا، فأحلم بالتفرُّغ تمامًا لترجمة ما أحب وتقديم ما أرى أنه حسن.


بطاقة
مترجم مصري من مواليد القاهرة (1985). ترجم عن البرتغالية: «العرافة وقصص أخرى» لماشادو دي أسيس (2017)، و«اعترافات شرسة» لميا كوتو (قيد النشر)، وعن الإسبانية: «النسيان» لإكتور آباد فاسيولينسي (2014)، و«سالباتييرا» لبيدرو مايرال (2016)، و«عشرون بطاقة بريدية» لفرانك بايس (2016)، و«خلية النحل» لكاميلو خوسيه ثيلا (2018)، و«خريف البطريرك» لماركيز (2018)، و«كهف الأفكار» لخوسيه كارلوس سوموثا (قيد النشر).

المساهمون