فروغ فرخزاد.. سينما الجذام والشعر

فروغ فرخزاد.. سينما الجذام والشعر

07 نوفمبر 2018
(من "البيت أسود")
+ الخط -

يطلب الأستاذ من التلميذ أن يعدّد ثلاثة أمور جميلة، فيقول "قمر، شمس، لعب"، ثم يطلب من آخر أن يعدد ثلاثة أشياء قبيحة، فيقول "يدان، رجلان، رؤوس"، يضحك الصف على الإجابة، وتكمل فروغ فرخزاد فيلمها الوحيد "البيت أسود" (1963)، الذي اقتبست عنوانه من عبارة كتبها تلميذ على اللوح، حين طلب منه المعلّم أن يضع كلمة "بيت" في جملة مفيدة.

الوثائقي الذي يستغرق 22 دقيقة ويعرض في غاليري "موزاييك رومز" في لندن عند السابعة من مساء غدٍ الخميس، هو نص شعري طويل يستعير بعض عباراته من القرآن والإنجيل، تلقيه الشاعرة (1934 - 1967) على خلفية مشاهد متقطعة في "خان جذام"؛ المصح البائس الذي يُحجر فيه مرضى الجذام في إيران.

يفتتح الفيلم بعبارة "العالم لا تنقصه البشاعة، وإن أغمض الإنسان عينيه عنها سيصبح هناك المزيد منها، على الشاشة ستظهر صورة للبشاعة، مشهد للألم لا ينبغي على الإنسان تجاهله".

طيلة الفيلم أشخاص بأطراف مشوهة أو مبتورة، بوجوه مخيفة، كأنها من شمع ذائب، العيون مغمضة رغماً عنها، مجتمع كامل من المرضى المشوهين، يغلق عليهم الباب الخشبي الكبير، لا يراهم سوى الأطباء بحذر، ولا يلمسهم أحد إلا بعضهم بعضاً.

رغم ذلك نجدهم يشكرون الله في الدروس والمصلّى والشارع، لأنه منحهم آذاناً يسمعون بها الأصوات الجميلة، في النص "سأغني باسمك يا رب، سأغني على عود له عشرة أوتار، لأنني أصبحت مخلوقاً غريباً ومرعباً، عظامي لم تكن خافية عليك حين خلقتني، وصببتني من أحشاء الأرض، في كتابك أن كل أعضائي مكتوبة عليّ".

ثمة عتاب أيضاً في حديث هؤلاء السجناء، إنهم سجناء في أجسادهم المشوهة والعليلة، وسجناء في الحجر الصحي، وسجناء في الحياة.

أثناء تصوير العمل السينمائي الوحيد للشاعرة الإيرانية، التقت بأحد الأطفال في "خان جذام" وتعلّقت به، يظهر في الفيلم مرتين، يلعب بعكاز رجل عاجز، متظاهراً بأنه دراجة، ستتبنى الشاعرة هذا الطفل لاحقاً.

"البيت أسود" ليس مهماً فقط لأن مخرجته هي الشاعرة التي يحيط بشخصيتها السحر المرتبط بتمردها وعمرها القصير وشعرها، بل وصفه نقّاد بأنه "عبّد الطريق للسينما الإيرانية الجديدة".

ثمة جدّة في طريقة تقطيع المشاهد، وشعرية النص، وفظاعة الصور، وتقصّد القسوة، ثمة جسر فريد بين اللغة وصورتها، النص المأساوي، والصوت اليائس الذي يلقيه، ومرأى من فقدوا أبصارهم وأطرافهم، والأصوات الواقعية الغريبة: غناء المجنون، امرأة تطل من النافذة وتعد الأيام بصوت مرتفع، خطوات شخص يروح ويجيء وقد ملّ الانتظار.

الفضاء المحيط بالمرضى لا يصلح مكاناً للنقاهة ولا الاستشفاء، إنها مساحة صفراء جرداء قاسية متربة، ووجوه جائعة، الجذام لا يصيب إلا الفقراء فيزيدهم فقراً ويلفظهم خارج العالم، في هذا النزل الكبير والموحش، حيث يبدو الناس فيه مجرد أشباح منبوذة هائمة على أطراف المدينة.

المساهمون