أقنعة زكريا الزيني وعرائسه

أقنعة زكريا الزيني وعرائسه

23 أكتوبر 2018
من المعرض)
+ الخط -

بدأت تجربة زكريا الزيني (1932 - 1993)، في ستّينيات القرن الماضي؛ حيث قدّم حينها رسومات تنتمي إلى الواقعية. في تلك الفترة، اهتمّ الفنّان التشكيلي المصري، الذي حصل على دبلومَين في الرسم والتصوير الجداري من أكاديميّتَي الفنون الجميلة في مدينتي فينيسيا وبرافنا الإيطاليّتَين، بتوثيق الطقوس الصوفية؛ مثل الزار والمولد، إلى جانب الألعاب الشعبية التي أبرز تفاصيل ممارستها، محتفياً بالفرجة والجموع البشرية وحركتها والرموز المتّصلة بها.

ولاحقاً، انتقل إلى مزيج من التعبيرية والتجريد، في سعي منه لاختزال تكويناته ضمن بناء فنّي محكَم. في المرحلة الأخيرة من تجربته، هيمَنت الأقنعة كثيمة أساسية على معظم أعماله؛ بحيث تبدو الوجوه كتلاً صمّاء لا ترى ولا تسمع ولا تتكلّم، في إحالة إلى الهموم الاقتصادية والاجتماعية التي تضغط على المواطن المصري.

تُستعاد هذه التجربة في معرض بعنوان "لغة الصمت" افتُتح في الثالث من تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري في غاليري "سفر خان" في القاهرة، ويُختَتم يوم غدٍ الأربعاء، ويضمّ مختارات من لوحات الزيني على مدار أكثر من خمسين عاماً.

من المعرضتركت نشأة الفنّان في حي السيدة زيبنب في العاصمة المصرية أثراً واضحاً في أعماله، منذ أن اختار احتفالية المولد النبوي مشروعاً لتخرُّجه. وقد شكّلت "عروسة المولد" الموديل الأساسي الذي ظلّ يقدّمه بمقاربات جديدة حتى أواخر حياته، ضمن مفهومه حول الفن، والمتمثّل في البحث عن الجمال داخل القبح.

تحضر مؤثّرات متعدّدة في لوحة الزيني؛ من بينها الفن الإسلامي بتنويعاته في العمارة والزخرفة داخل الأحياء المصرية القديمة، والفن القبطي عبر محاكاته للأيقونة كنموذج أوّلي، خصوصاً في أواخر حياته. أسلوب الفنّان الإيطالي ماسيمو كامبيلي (1895 - 1971) الذي يُعدّ أثره واضحاً في أعمال فنّانين عرب، وخصوصاً التشكيلي السوري الراحل فاتح المدرّس، يحضر أيضاً في لوحات الزيني من خلال اختزاليته الشكلانية للشخوص وتعتيم سطوح لوحاته وتراكم طبقات اللون.

تطوّرت لوحة الزيني بعد ذلك ضمن رؤية فلسفية تستند إلى الواقع، كما في تجربته التي رصد فيها مشاهد القمامة بوصفها عنصراً نافراً في شوارع مدينة القاهرة لا يمكن إغفاله منذ ثمانينيات القرن الماضي، فجاء مشروعه بمثابة احتجاج على تلوُّث المكان، متتبّعاً الفوضى التي يخلقها تراكم أكوامها أو قذفها من النوافذ أو عبث المارّة والقطط بها، والعلاقات التي تنشأ حول القمامة والحياة القائمة عليها لدى شرائح الفقراء والمهمّشين.

المساهمون