فنانون في المنفى.. تجارب يمنية في طريق وعرة

فنانون في المنفى.. تجارب يمنية في طريق وعرة

22 أكتوبر 2018
("اليمن" عمل ردفان المحمدي الذي اقتناه "المتحف الوطني الصيني")
+ الخط -

في مطلع 2015، شنّ ما يُسمّى بـ "التحالف العربي" حرباً على اليمن بدعوى محاربة الحوثيين، فتعطلت الحياة على وقع الاقتتال والحصار، وفرض الحوثيون رقابة صارمة على الحريات، وأحكموا قبضتهم على الواقع اليومي للناس بحجة الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الخارجي.

ضاق الخناق على أوجه النشاط الإنساني كافة، وبشكل خاص الحراك الثقافي، فحوصر الفن والأدب كما حوصرت السياسة، ولوحق الفنانون اليمنيون كما المعارضين السياسيين، وتعرضوا للتهديد بالاعتقال والقتل. عند هذا الحد كان اليمن قد أصبح بلداً غير آمن، واضطر فنانون إلى الهجرة والبحث عن مكان يمنحهم كفايتهم من الحرية لممارسة الفن والحياة، فانتهى بهم المطاف لاجئين في بلدان شتى ينشدون الحرية والأمان اللذين حُرِمُوا منهما في وطنهم.

ميثال محمد، مغنية وعازفة غيتار شابة، من ضمن من غادروا اليمن؛ حيث تعيش الآن في كندا. في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول: "في آذار/ مارس 2015 أخذت قيثاري وسافرت ليلاً من عدن على متن قوارب اللاجئين اليمنيين إلى جيبوتي. كنت قد توقفت عن الغناء في 2014 بسبب مضايقات تعرضت لها في صنعاء، إذ وصلتني تهديدات كثيرة، وقبل مدة قصيرة من مغادرتي وصلتني رسالة تهديد بالحرق بالبنزين إن لم أكف عن العزف والغناء، فتوقفت".

تكمل: "كان عليَّ مغادرة اليمن إن أردت مواصلة تجربتي الموسيقية، هاجرتُ إلى جيبوتي، وهناك عزفت لفترة وعملت على نشر أعمالي، وبعد مدة قصيرة وصلتني دعوات للمشاركة في فعاليات عن اليمن في ألمانيا وكندا، حيث انتهى بي المطاف".

بالنسبة إلى ميثال فإن "الوطن هو الحرية، والأغنية في المهجر نوع من التواصل الوجداني مع الوطن البعيد. الأمر أشبه بقصة حب معقّدة بين عاشقَين يحاولان التغلب على الواقع لكن دون جدوى".

شاركت ميثال عام 2017 مع ستة من فناني الدول المحظورة من السفر إلى الولايات المتحدة في حملة "l'm with the banned"، مع فرقة الروك الأميركية "X Ambassadors"، حيث أنتجوا أغاني تعبّر عن رفضهم قرار منع مواطني ستة بلدان عربية من السفر إلى الولايات المتحدة.

أما التشكيلي محمد ردفان، فيقول إنه غادر اليمن في آب/ أغسطس 2016، واستقر في القاهرة، بسبب الحرب التي أعاقت عمله كفنان، مضيفاً: "كنت مُقيداً في اليمن، ولا أستطيع المشاركة في المعارض التشكيلية الدولية بسبب الحرب وإغلاق بعض المطارات، وكذلك إغلاق معظم السفارات مقراتها في اليمن. وقد تعثرت رحلتي إلى لندن في 2016، ولم أصل في الوقت المناسب كي أتسلم الجائزة".

يضيف: "البقاء في اليمن في وضعه الحالي هو سجن... لا يستطيع الفنان المقيم في الداخل أن يتواصل مع العالم الخارجي، ولا يتمكن من المشاركة في الفعاليات خارج بلده".

أسس ردفان "المنتدى العربي للفنون" في صنعاء، ونظم سابقاً خمسة معارض فنية لرسوماته في اليمن. كذلك نال عدة جوائز عربية ودولية، منها جائزة أفضل فنان تشكيلي عربي "فيغراتيف آرت" عام 2016 في بريطانيا، عن لوحته "اليمن السعيد"، التي اقتناها مؤخراً المتحف الوطني الصيني.

يعمل ردفان مدرساً للفن في القاهرة. وفي السنتين الأخيرتين، سافر للمشاركة في معارض في الصين والأردن والكويت وليتوانيا. يقول: "لو كنت في اليمن لما استطعت عمل كل هذا".

في السويد، يعيش المسرحي عبد الجبار السهيلي، الذي شارك مؤخراً في أول عرض شكسبيري له، "روميو وجولييت" مع مجموعة من الفنانين السويديين. في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشرح قصته قائلاً: "في 2015، كنت في ورشة عمل فنية في لبنان، وفي طريق عودتي، بينما كنت أنتظر الطائرة في الأردن وصلني خبر اقتحام الحوثيين مقر "مؤسسة روابط الفنية" في صنعاء ونهب معداتها واعتقال الزملاء فيها، ووصمت المؤسسة التي كنت أشغل نائب مديرها بـ"الإرهاب"، وهي مؤسسة فنية كنا ننتج من خلالها أفلاماً قصيرة، وننظّم مهرجانات مسرحية في اليمن".

يتابع: "لم أعد إلى اليمن حين وصلني الخبر، غادرت في تموز/ يوليو 2015 من الأردن إلى السويد، بناء على دعوة سابقة للسفر كنت قد حصلت عليها، وقد تمت استضافتي في هلسنبورغ كأول فنان يمني يأتي من منطقة صراع. أعمل في المجال الثقافي مع منظمة "أيكو" السويدية، وحالياً أنا من ضمن ثلاثة فنانين يعدون لمعرض ثقافي دولي سيستمر لثلاث سنوات، تحت رعاية منظمة "تيليت" في غوتنبرغ".

ومن محل إقامته في القاهرة، يسرد المغني الشاب عمار زايد كيف اضطر إلى مغادرة اليمن في 2016، حيث اضطر إلى العمل نادلاً في مقهى ليؤمن متطلبات العيش اليومي قبل استحقاقات الموهبة. يقول: "إلى جانب الصعوبات المادية، تواجهني صعوبات فنية، فليس متاحاً لي أن أعمل مغنياً هنا إلا بموجب تصريح من إحدى النقابات الموسيقية، ولا يتم منح ذلك التصريح للفنان الوافد إلا بموجب إقامة خمس سنوات في مصر، كشرط أساس".

يختم زايد حديثه بالقول: "أسعى إلى تجديد أغاني التراث اليمني، وبعثها بشكل يليق بالمكانة الفنية لليمن، لدي الآن أربع أغانٍ جاهزة، بعضها يحاكي التراث الفني اليمني، وما زلت أبحث عن جهة تمول هذه الأغاني".

المساهمون