الإسكندرية.. حنين إلى ماض متخيَّل

الإسكندرية.. حنين إلى ماض متخيَّل

18 أكتوبر 2018
(كورنيش الإسكندرية، 1955، تصوير السيدة باكنغهام)
+ الخط -

يشتغل الباحث المصري، يوسف الشاذلي، على دراسة تاريخ مدينة الإسكندرية التي وُلد ونشأ في أحد أحيائها الكوزموبوليتانية؛ حيث تتناول غالبية دراساته التحوّلات الاجتماعية والسياسية في المدينة التي تحضر في رسالة الدكتوراه التي يُعدّها، حالياً، في "جامعة لوزان" السويسرية، والتي خصّصها لموضوع "حركة المكافحة والثورة في الإسكندرية بين 2011 و2013".

وأخيراً أفرد للمدينة عدداً خاصّاً من مجلّة "مصر والعالم العربي" التي يُشرف عليها، وتصدر عن "مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية" في القاهرة.

وخلال ندوة أُقيمت في "المركز الثقافي الفرنسي" بالقاهرة، الأحد الماضي، أضاء الشاذلي على الدراسات والأبحاث التي تناولت الأبعاد التاريخية والاجتماعية للإسكندرية، خصوصاً تلك التي ركّزت على فترة خمسينيات وستّينيات القرن الماضي، والخروج القسري للجاليات الأجنبية منها. شغلت هذه الفترة كثيراً من الباحثين، وبالأخص الأجانب منهم. ويبدو أن ذلك هو ما دفع الشاذلي إلى التوقّف عند تلك الدراسات لاختبار مدى مصداقيتها ودقّتها.

يقول الباحث إن غالبية الدراسات التي تناولت تاريخ الإسكندرية كتبها مستشرقون، مضيفاً أن تلك التي درست مرحلة الخمسينيّات والستّينيات اقتصرت على جانب صغير من جوانب المدينة، هو فقط ذلك المتعلّق بالسكان الأجانب والجانب الكوزموبوليتاني فيها، بينما جرى إغفال جوانب أخرى كثيرة، معتبراً أن "آفة" بعض الدراسات ووجهات النظر تكمن في شاعرية النظرة إلى المدينة: "النظرة الشاعرية وبقدر ما خلّدت الإسكندرية كما فعل قسطنطين كفافيس (1863 - 1933)، فقد ظلمتها؛ إذ أدّت إلى اتّسام كثير من الدراسات بالفراغ الفكري والابتعاد عن البحث الجاد".

يقول الشاذلي إن هناك "حالة من البكاء على الأطلال تترافق مع الحديث عن الإسكندرية المعاصرة التي يقولون دائماً إنها لم تعد كما كانت بسبب مهاجري الدلتا. وكأن هذا الاتهام يُشار به إلى أسرتي القادمة من الدلتا، والتي لا أستطيع أن أعتبر أنها أحد أسباب تدهور المدينة".

عادةً ما يتردّد الحديث حول ترييف الإسكندرية ودور أهل الدلتا، في تحويلها من مدينة تركها الأجانب على طراز معماري رفيع إلى مدينة تعجّ بالأبراج العشوائية ذات الأربعة عشر طابقاً التي بناها الوافدون. ويرى الشاذلي أن أبلغ جواب على هذا الاتهام لخّصه تيموثي ميتشل في كتاب "Rule of experts"، والذي تناول فيه الأوضاع في دلتا مصر، معتبراً أن السبب وراء الانهيار في شكل المدينة هو غياب التنمية مع النمو الديموغرافي العالي، مضيفاً: "ببساطة، ملخص هذا الانهيار يكمن في خطّة الدولة التنموية".

بحكم كونها أحد سواحل البحر المتوسّط، تُوصَف الإسكندرية بالمدينة المنفتحة على مختلف الثقافات؛ حيث وصفها جورج موستاكي، مثلاً، بأنها "أنشودة لعديمي الجذور"، في حين رأى غاستون زنانيري (1904 - 1996) في مذكّراته "بين الصحراء والبحر" أنها "غنية وسطحية ومنفتحة على البحر المتوسّط ومغلقة في وجه مصر".

غير أن فيليب مانسيل اعتبر في كتابه "ثلاث مدن مشرقية" أن الحقائق التاريخية تنقض فكرة "جنّة التعايش" التي التصقت بالمخيّلة الشاعرية عن الإسكندرية. ومع ذلك، فإن الكثيرين ما زالوا متشبّثين بفكرة الفردوس المفقود.

التقى الشاذلي بالباحث روبير إلبِرت، صاحب كتاب "تاريخ الإسكندرية 1830 - 1930"، وأجرى معه حواراً حول المدينة، ينقل منه قول الأخير: "لا نجد سوى إسكندرية الأمس. نجلس على طاولة ونفتح الكتب ونقرأ ماذا تقول لنا عن الإسكندرية، وبهذا نعطي ظهرنا للإسكندرية الحالية. علينا أن نترك كل هذا وندير ظهرنا للبحر وننظر إلى الإسكندرية كي نرى رؤية جديدة". يقول الشاذلي إن هذا الكلام جعله يقتنع بأن الأبحاث المعاصرة حول الإسكندرية لا تزال غير كافية.

المساهمون