تاريخ الأمل

تاريخ الأمل

12 أكتوبر 2018
خالد تكريتي/ سورية
+ الخط -

بقدر ما كانت الحياة على مر العصور، وفي جميع الأمكنة تاريخاً لخيبة الأمل، فقد كانت بالتوازي مع ذلك، تاريخاً للأمل. وقد يكون الانتقال بين هذين الخطين سجلاً دائماً للحياة البشرية.

فإذا كانت الأحلام التي تمناها البشر، وكافحوا من أجلها، والمنجزات الكبرى للبشرية في حقل العلم والعمارة والخدمات العامة والطب والأدوات والتكنولوجيا، لم تقدم للبشر الكثير من الثقة بالحاضر أو بالمستقبل، وإذا كان كل جيل من الأجيال في جميع البلدان لم يحظ بما كان يتمناه، وراح أبناؤه يلعنون زمانهم، ويكتبون عنه أنه أسوأ الأزمنة، وقد يحنّون إلى الزمان الذهبي الذي ضاع من أيديهم، ويتمنون استعادته، فقد كان البشر يتابعون العيش، ويستمرون في التكاثر، ويبنون المنازل، ويتبادلون الزيارات، ويتشاركون الأفراح والأتراح، ويأكلون البطاطا والباذنجان، بعيداً عن أي حلم أو مناسبة.

وبفضل الأمل والبحث عن حياة أفضل نشأت فكرة اليوتوبيا أو الأرض السعيدة كما سماها توماس مور. ومنها جمهورية أفلاطون، و"آراء أهل المدينة الفاضلة" للفارابي، و"مدينة الشمس". لـ كامبانيلا. وكلها كتب حاولت أن تبحث عن خلاص للبشر من الظلم والقهر والفقر والمعاناة.

وبعض تلك الكتب ارتبطت بالمكتشفات الجغرافية، كما يشير إلى ذلك محمد كامل الخطيب في كتابه "الرواية واليوتوبيا"، حين يعتبر أن "اكتشاف" أميركا كان أساس تصور توماس مور "يوتوبيا" الذي اعتقد أنها الفردوس المأمول، وكان يأمل أن تكون مدينته مرشحة للتحقق والبقاء، ولكن هناك من يؤكد أن اليوتوبيات عامةً أمكنة لا تصلح للعيش، وإنما هي مجرّد حلم يحاول البشر أن يصححوا به مسارات الحياة الصعبة.

وسخِرت الماركسية مثلاً من الحلم اليوتوبي، ولكنها وضعت يوتوبيا أخرى أمل كثيرون أن تضمن العدالة في توزيع الثروة وفي الحياة الآمنة. ولكنها لم تحقق شيئاً مفيداً. ولم يطل الزمن بها حتى تبيّن أنها كانت مشروعاً فاشلاً.

وكل الثورات، ومنها الثورات العربية في هذا القرن، يمكن أن تندرج في الأحلام اليوتوبية، سواء منها تلك التي نجحت، أم لم تنجح. اللافت أن الثورة، كل ثورة، لا تشبه الحلم الذي اشتعلت من أجله.

ثمة من يسرقها أو يقايض بأحلام الناس مصالحه الشخصية، أو يبتر مطالبها، وهي الأمور التي تسبب الخيبة والإحباط للمشاركين فيها، فكلما كبرت الآمال زاد حجم الخيبة، وازداد الشعور بالطابع اليوتوبي لهذه الثورات بعد الفشل الذي مُنيت به. حتى بات كثير من الناس يتحدثون عن الحرية أو العدل أو الكفاية أو السعادة بوصفها مجرد حلم.

وما الحل إذن؟

من حسن حظ البقاء أن البشرية لا تعيش في حقبة خيبة الأمل، لا الأفراد من بينها، ولا الشعوب، وهم يبتكرون دائماً قدراً من الأحلام "السخية" التي "تأتي منها الوقائع النافعة". فإذا كانت المشاريع قد فشلت، ولم تتحقق كاملة، فإن الحلم لا يتوقف.

معظم النساء اللواتي يقرأن فنجان القهوة يبدأن الكلام بعبارة "قدامك فسحة أمل". ومعظم الذين يستمعون إليهن يبتسمون للوعد الذي يمكن محوه بإصبع واحدة.

دلالات

المساهمون