صناعة الكتاب الأردني: في مهب الضرائب

صناعة الكتاب الأردني: في مهب الضرائب

25 يناير 2018
(من فعاليات مهرجان "أمّنا عمان.. مدينة تقرأ"، 2014)
+ الخط -

بدا قرار الحكومة الأردنية بفرض ضريبة على الكتاب قيمتها 10% صادماً للجميع، في وقت كان الناشرون والكتّاب يطالبون في ندوات عدّة، وآخرها منذ أشهر في "معرض عمّان الدولي للكتاب"، بتخفيض الضرائب المفروضة على الورق ومستلزمات الطباعة لما تسببه من أضرار بالغة في سوق النشر المحلية.

ظلّ الكتاب في الأردن معفياً من الضريبة طوال السنوات الماضية، وكان الجزء الأكبر من صناعته تستحوذ عليه الإصدارات الأكاديمية التي تتجاوز ألفي عنوان سنوياً في تخصّصات التربية والآداب والعلوم الإنسانية وبدرجة أقل في الاقتصاد والقانون والعلوم، وتصدّر غالبيتها لبلدان عربية مثل العراق وليبيا والسودان والتي تراجعت بشكل كبير مؤخّراً، إضافة إلى الكتب الأدبية والدراسات النقدية والفكرية التي تشكلّ نسبة قليلة من حجم النشر قد لا تصل إلى بعض مئات من العناوين.

القرار لا يشمل الكتب فقط بل أيضاً الصحف والمجلات والمطبوعات المصوّرة وكتب الأطفال والرسم والتلوين، ما يمسّ بقطاعات عديدة متضرّرة كأصحاب المكتبات والمدارس؛ الحكومية والخاصة، التي تبيع المناهج الدراسية لطلبتها (خضعت للضريبة كذلك)، والتي لم تصدر عنها ردود فعل حتى اللحظة.

الاعتراضات انصبّ بعضها على آليات تطبيق القرار، إذ يمكن أن يسدّد الناشرون الضريبة أكثر من مرة عند تصديرهم الكتب إلى معارض الكتب العربية، وعند إعادة المرتجعات منها في كلّ معرض، إضافة إلى أن هناك نسبة خصم على أسعارها متعارف عليها بين الناشرين والموزّعين والقارئ المستهلك لها، ما يضيف جدلاً حول آلية التسعير يصعب التوافق عليها.

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يلفت الناشر عدنان زهران أحد المتخصّصين في إصدار الكتاب الأكاديمي إلى "انخفاض الميزانيات المقرّرة سلفاً لدى العديد من الحكومات العربية في الأعوام المنصرمة لشراء المراجع والكتب التي تلزم الطلبة في الجامعات، خاصة في الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار، ما هدّد صناعة النشر في الأردن التي تعتمد بشكل كبير على أسواق مجاورة".

يتابع "الخسائر المتراكمة قادت إلى إغلاق أكثر من نصف دور النشر، بناء على إحصائيات "هيئة الإعلام"، ومن المتوقّع أن تُغلق دور جديدة في حال تطبيق القرار لعدم قدرتها على المنافسة في الخارج، ما يضاعف الخسارة المادية ويلحق نتائج كارثية تتعلّق بالتنمية وتطوّر المجتمع وثقافته".

من جهته، ذهب رئيس "رابطة الكتّاب الأردنيين" محمود الضمور إلى إدانة القرار الذي "سيترك آثاراً سلبية على الناشر والمؤّلف والقارئ والعمل الصحافي والإبداعي"، بحسب تصريحاته لـ"العربي الجديد" لافتاً في الوقت نفسه إلى "استغلال القارئ والكاتب من قبل دور نشر توقّع معظمها عقوداً ظالمة وتصادر حقوق المؤلّفين".

لم يصدر بعد عن الرابطة موقف محدّد والذي يتوقّع أن يتخذ خلال الأيام المقبلة، لكن الضمور أوضح أنه "يجري التنسيق مع "نقابة الصحافيين" و"اتحاد الناشرين" سعياً لإجراء حوار مباشر مع الحكومة والوصول إلى مخرج عبر التفاوض، وبغير ذلك سيذهب الجميع إلى التصعيد".

أما رئيس "جمعية المكتبات والمعلومات الأردنية" ربحي عليان فعبّر لـ"العربي الجديد" عن استغرابه "من فرض ضريبة على الكتاب الذي يعدّ أهم مصادر الثقافة والوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأهم مصادر التعليم والتعلّم أيضاً في مختلف المجالات".

ونبّه إلى أن "القرار سيخلّف تداعيات عديدة، ليس فقط بتراجع سوق النشر الذي سيشهد خروج مستثمرين كثر منه، بل إنه قد يقود إلى إلغاء "معرض عمّان الدولي للكتاب" الذي بدأ بالنهوض مؤخّراً"، موكّداً على انحيازه إلى جانب "اتحاد الناشرين" الذي يعدّ المصدر الرئيسي لتزويد المكتبات الأردنية؛ المدرسية والجامعية والعامة، بأسعار يمكن اعتبارها مقبولة حتى اللحظة".

عند التوجه إلى سؤال "دائرة ضريبة الدخل والمبيعات" أتى الجواب جاهزاً بأنها جهة تنفّذ القانون وليست مسؤولة عن إقراره، لكنها "لا تمتلك أجوبة مفصّلة حول آليات تطبيق الضريبة الجديدة مع التأكيد على أنها دخلت حيز التنفيذ منذ الأربعاء الماضي 17 كانون الثاني/ يناير"، وفق موسى الطراونة الناطق باسمها الذي اكتفى بإعادة قراءة نص القرار.

رغم أنها ليست جهة مسؤولة عن إنفاذ القرار والاستفادة من إيراداته الضريبية، إلا أن الأنظار توّجهت إلى وزارة الثقافة حيث يجري التنسيق والتواصل معها لفتح حوار مع الحكومة حول المسألة. أمين عام الوزارة هزّاع البراري يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "صناعة الكتاب تدخل ضمن الصناعات الثقافية، وأن دور النشر هي مؤسسات منتجة ترفد الاقتصاد الوطني من خلال بيع الكتاب، الذي يعتبر في النهاية منتجاً وسلعةً، وفرضُ الضريبة عليها يأتي في هذا السياق".

يضيف: "ننتظر ما سيقدم عليه اتحاد الناشرين والمؤسسات المعنية بالقرار من خطوات، ونسعى إلى تغليب المصلحة العامة التي قد تتمثّل في الإبقاء على الضريبة من أجل خفض العجز في الميزانية أو إلغائها دعماً للكتّاب، حيث ستتبلور الأمور في الأيام المقبلة".

يبدو مبكراً الحكم على مستقبل صناعة الكتاب في الأردن، ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في ظل غياب إحصائيات حول حجم قطاع النشر وأرباحه والتحقق من تراجعه كما يشير البعض، لكن ثمة حديث عن طرحٍ يتبناه ناشرون للمساهمة ضمن مسؤوليتهم الاجتماعية، على غرار بلدان مثل الصين، عبر دعم مشروع لتشجيع القراءة أو دعم المكتبات العامة وتأسيس أخرى جديدة لم يحدّد بعد تفاصيله، بدلاً من دفع ضريبة لا يستفيد منها القراء.

المساهمون