صبري موسى.. رحيل عن "فساد الأمكنة"

صبري موسى.. رحيل عن "فساد الأمكنة"

18 يناير 2018
(1932 - 2018)
+ الخط -
يمثّل الكاتب المصري صبري موسى (1932 – 2018) الذي رحل اليوم الخميس في القاهرة بعد صراع طويل مع المرض، حالة استثنائية من خلال أعماله القليلة التي وإن ابتعدت عن الواقع لكنها كانت تتصل به ضمن رؤية نقدية ومخيلة متفتّحة لا تشبه سواها في الرواية المصرية.

لم يقترب صاحب "فساد الأمكنة" من السلطة، وفضّل عدم الانتماء إلى حزب أو أيديولوجيا أو مؤسسة، وكان يؤكّد على ذلك في مقابلاته وجلساته الخاصة، ورغم عمله في الصحافة سنوات طويلة إلا أنه كان يبتعد عن الأضواء، مفضلاً عزلته الطويلة التي اختارها.

ذهب موسى إلى عوالمه الخاصة، حيث تصوّر روايته الأشهر "السيد من حقل السبانخ" (1982) عوالم مستقبلية تتحكّم بها التكنولوجيا ويزداد الإنسان فيها تطرّفاً وتعصّباً، ضمن تصوّر فلسفي لثنائية العقل والغريزة وكيف تستحوذ عليهما السلطات عبر آلاف السنين من الحضارة الإنسانية.

ولد صاحب "حادثة نصف المتر" في مدينة دمياط، ودرس الرسم والتصوير في "كليّة الفنون التطبيقية"، وبعد تخرّجه عام 1951 عمل مدرساً لمدة عامين فقط، ثم غادر المهنة ليعمل صحافياً في "جريدة الجمهورية"، وساهم في تأسيس مجلات عديدة، من أبرزها "صباح الخير" و"الرسالة".

ومنذ بداية الخمسينيات، بدأ موسى نشر قصصه القصيرة التي وّظف خلالها مشاهداته في الصحافة، إذ كانت معظمها تعيد إنتاج بعض الحوادث التي تتداولها الأخبار، حتى أصدر أولى مجموعاته القصصية "القميص" عام 1958، وأعقبها بـ"لا أحد يعلم" (1963)، و"مشروع قتل جارة" (1965)، و"حكايات صبري موسى" (1966)، و"وجهاً لوجه" (1967)، ليعود في نهاية التسعينيات بمجموعة قصصية بعنوان "السيدة التي والرجل الذي لم" (1999).

لم يكتب سوى روايات ثلاث، هي: "حادث النص متر" (1962)، و"فساد الأمكنة" (1973)، و"السيد من حقل السبانح" (1982)، والني نالت رواجاً واستحساناً وجرى تحويل إحداها إلى السينما، إلى جانب كتب الرحلات مثل "في الصحراء" (1964)، و"في البحيرات" (1965)، و"الغذاء مع آلهة الصيد" (1972).إضافة إلى عمله في الصحافة، قام موسى بكتابة السيناريو لأعمال الروائي يحيى حقي (1905 – 1992)، وهي "البوسطجي" الذي أخرجه كمال حسين، و"قنديل أم هاشم" لـ كمال عطية. كما كتب السيناريو والحوار لعدة أفلام مأخوذة من أعمال أدبية مثل فيلم "الشيماء" عن مسرحية لـ علي أحمد باكثير، وفيلم "حبيبي أصغر مني" عن قصة إحسان عبد القدوس، و"قاهر الظلام" عن رواية "الأيام" لـ طه حسين.

مزجت أعماله بين تأملاته وارتحالاته في الأمكنة التي زارها، وبين رصده لتفاصيل الحياة في المدينة وتقديم التحوّلات التي حلّت بالإنسان المعاصر، مع فهمه الخاص للآثار التي تركتها سياسات الانفتاح الاقتصادي في نهاية السبعينيات على المواطن المصري، في محاولة لإدراك حجم الهزائم الشخصية والعامة.

المساهمون