لا يحق للمطبّع ما لا يحق لغيره

لا يحق للمطبّع ما لا يحق لغيره

27 سبتمبر 2017
(من أعمال ناجي العلي)
+ الخط -

بعدما دعا ناشطون إلى حظره، قامت السلطات اللبنانية، قبل أشهر، بمنع عرض الفيلم الهوليوودي "المرأة الخارقة" في صالات السينما لأن بطلته هي الممثلة، غال غادوت، المجندة السابقة في الجيش "الإسرائيلي". وهي التي رفعت الصلوات سنة 2014 ليحفظ الله جنود "جيش الدفاع البواسل" الذين كانوا يقتلون حينها أهلنا في غزة.

بالطبع أثارت قضية المنع جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية والسياسية اللبنانية والعربية أيضاً، كما أثارت سابقاً مسألة حلول أمين معلوف الروائي والأكاديمي اللبناني-الفرنسي المعروف ضيفاً على برنامج "ثقافة" في قناة "إي 24" التلفزيونية "الإسرائيلية" قبل أكثر من سنة.

لكن الخبر الأكثر طزاجة في هذا المجال هو قضية المخرج اللبناني-الفرنسي زياد الدويري الذي، عند عودته من مهرجان البندقية، احتُجز في مطار بيروت لعدة ساعات، ومن ثم إحالته على القضاء لمواجهة تهمة "التعامل مع إسرائيل"، والسبب في ذلك أنه كان قد صوّر ما بين عامي 2010 و2011 جزءاً من فيلمه السابق "الصدمة" في فلسطين المحتلة بمساعدة منتج منفذ وممثلين "إسرائيليين".

بُعيد قضية الدويري وتحت عنوان "يوم قاطع العرب صوفيا لورين وشارل أزنافور"، يكتب محمود الزيباوي في صحيفة "المدن" الإلكترونية مقالة قدم فيها عرضاً لقضايا مشابهة تخص نجمين عالميين اتهمهما العرب بمناصرة الكيان الصهيوني، المطرب الفرنسي أزنافور الذي أحيا حفلتين في بيروت عام 1967، أثيرت في حضوره قضية مقاطعة أغانيه بسبب أغنية "يوراشالايم" وهي اللفظ العبري لأورشليم أو القدس. أما الإيطالية صوفيا لورين فقد قاطعتها الدول العربية ومنعت أفلامها حوالي ثلاث سنوات على خلفية اشتراكها في فيلم "جوديت".

ومن ثم ذكّر الكاتب، بسرعة، بقضيتين تخصان النجمين عمر الشريف وصباح، كل منهما على حده، قبل أن ينهي مقالته بجملة مقتضبة وقاطعة: "مع التأكيد أن دويري أخطأ حين صور فيلمه "الصدمة" في إسرائيل".

في كل مرة، تتعالى أصوات الاستنكار، كذلك حملات الدعوة إلى منع كل ما يدخل في سياق التطبيع الثقافي مع العدوّ. فحملة مؤيدي مقاطعة "إسرائيل" في لبنان مثلاً كانت قد طالبت معلوف بتقديم اعتذار عن ذلك اللقاء، فقد رأى أصحاب هذه الحملة أن القناة قد وظفت شهرة الكاتب وعضويته في الأكاديمية الفرنسية لإعطاء شرعية لوسائل الإعلام "الإسرائيلية" كافة، وهي الأداة التي تسوق في الغالب لتبرير الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.

ويشدد هؤلاء على واجب مقاطعة "إسرائيل"، العدو الذي نخوض ضدّه حرباً وجودية. كما يسخر هؤلاء من جهة أخرى من "السذاجة السياسية" و"فخ الطوباويّة"، الذي يقع فيه مثقفونا في غمرة دفاعهم عن الانفتاح والحريّة ومناداتهم بعدم الرقابة على الفكر والإبداع.

وهذه السذاجة أو "الدروشة" قد أشار إليها في منتصف الثمانينيات وقبل اغتياله بقليل الرسام الفلسطيني، ناجي العلي، حينما رسم كاريكاتوراً يرد على تصريحات الشاعر محمود درويش حول فائدة لقاء الشعراء والأدباء الفلسطينيين و"الإسرائيليين". في هذا الرسم الشهير، يكتب على لسان إحدى شخصياته معلقاً على هذا التصريح: "محمود... درويش"، ودرويش يكتبها بخط أكبر وأثخن من كلمة محمود. كذلك يكتب على لسان شخصية أخرى: "لا يحق للشاعر ما لا يحق لغيره".

لكن يبدو أن العدو لم يعد عدواً، فالأصوات ترتفع كذلك في الجانب المقابل لتبرير التعامل مع "الإسرائيليين" ومن منابر مختلفة ولها وزنها الأدبي... أحياناً يخيل إلينا أن من يدافع عن هذا التطبيع، ينطلق أولاً من معاداة من يقف ضده، ولا يمكن برأينا في الوقت الراهن فصل هذه الأمور عما يجري من اصطفافات في المسألة السورية!

لكن بالتأكيد، ليس كل من يدعي الممانعة هو فعلاً ممانع ولا كل من يُمانع يتكلم بلغة خشبية. ولمن يرى "الجانب الإنساني" في تعاملهم معنا، فنقول، إنهم لن يمدوا لنا يد العون إلا لكي نبيّض صفحتهم، كي نصافحهم، والمصافحة تعني الصفح المجاني حالياً.


* فنان تشكيلي سوري

دلالات

المساهمون