"مانطوفا الأدبي": أصوات من زنزانة الحرية

"مانطوفا الأدبي": أصوات من زنزانة الحرية

13 سبتمبر 2017
(من مهرجان مانطوفا الأدبي)
+ الخط -

يعتبر مهرجان مانطوفا الأدبي بِكر النشاطات الأدبية التي تبدأ في مطلع خريف كل عام في إيطاليا، ويستقطب كتاباً وفنانين من مختلف أنحاء العالم، مع برنامج حافل بلقاءات وحوارات وتقديم كتب جديدة وعروض مسرحية وموسيقية.

ولم تخلُ دورة هذا العام التي اختتمت الأحد الماضي من حضور بعض الكتّاب العرب، وإن قلّ ذلك مقارنة بدورات سابقة، مثل المسرحي اللبناني الكندي وجدي معوّض، والتشكيلية اللبنانية زينة أبي راشد، والروائي الليبي هشام مطر والكاتب التونسي شكري المبخوت والشاعر السوري فرج بيرقدار، الذي حاورته إليزابيتّا بارتوُلي المختصة بالأدب العربي المعاصر وبالترجمة من العربية إلى الإيطالية والحوار ما بين الثقافات.

قدّمت إليزابيتّا بارتوُلي الشاعر السوري والسجين السياسي السابق للجمهور الإيطالي، قائلة: رغم أربعة عشر عاماً من السجن والتعذيب الذي تعرّض له خلال حكم حافظ الأسد، والد الديكتاتور السوري الحالي بشار، فرج بيرقدار لا يفشي أي شحنة حقد أو عداء.

ولكن ما هي التغيّرات التي تطرأ على حياة إنسان بعد أعوام من التعذيب، من العزلة والوحشية، بسبب حرية الرأي؟ صاحب "المكان الضيق"، المجموعة الشعرية التي أصدرتها هذا العام مُتَرْجَمة إلى الإيطالية بتوقيع إيلينا كيتي التي شاركت أيضاً في الندوة، لا يمتلكه الشكّ عندما يقول: "المكوث في السجن يغيّر من الطريقة التي ننظر بها إلى الواقع حيث، في النهاية، يبدو لنا غير عقلاني.

نحن المعتقلون لفترات طويلة نعرف حتى كيف تحفّ نملة، كيف تطير بعوضة. إن أكثر ما يهمّ، بالنتيجة، ليس الاعتقال ولكن ما بعد إطلاق السراح. فإذا كان هنالك، خارج السجن، ثمّة عائلة وأصدقاء، إذن يمكننا أن نقوم سويّاً بعملية إعادة تأهيل، ونستعيد الحياة الطبيعية. إنما في حال العكس، فلا مفرّ من الانحلال".

وعندما يتكلّم فرج بيرقدار، تبدو أحكامه قاطعة في التنديد بالنظام الذي ما زال حتى اليوم يعذّب ويقتل آلاف السوريين حيث، أسوة به، يناضلون من أجل بلد حرّ. كل الآمال معلّقة في الأجيال الجديدة الذين "يعرفون جيداً ماذا يريدون ولا يخشون من التظاهر، من إسماع أصواتهم ومن المجابهة".

من جهة أخرى، قام طلاب مدرسة "المسرح الصغير" في ميلانو، بتقديم مسرحية "عطشى" لـ وجدي معوّض، من إخراج وإعداد كاترينا غوتزي، موسيقى أنطونيا غوتزي مع أليسّاندرو بانديني، أوغو فيوري ومارتا مالفيستيتي.

هذه المسرحية، التي أعِدّت خصّيصاً للمهرجان، تتطلع نحو ثيمات أخرى لطالما كانت محور فن التأليف المسرحي، مثل التساؤلات حول الهوية، حول البحث عن المطلق وحول مغزى الجمال، وليس أخيراً، حول الكتابة، حول الخيال، أو بالأحرى حول دور المسرح وقوة الكلمة الناطقة حيث اليوم – ربما أكثر من الكلمة المكتوبة – قادرة على نحت معاصرة مختلفة.

زينة أبي راشد التي ولدت مع انطلاق الشرارات الأولى للحرب الأهلية اللبنانية، 1975، تعيد شيئاً من هذا الألق من خلال قصصها المصوّرة بنظرة من نشأ، في طوري الطفولة والمراهقة، على صراع دامٍ ربّما لم تستوعب حتى الآن مأربه ومغزى تلك الهمجية التي سيطرت على المشهد اللبناني لعقدين من الزمن.

بنعومة لا تخلو من جاذبية غامضة، تنقل إلى الورق – غالباً بالأبيض والأسود – مقاطع من حياتها أو أحداثاً شاملة مرتبطة بقصص الطفولة المسلوبة من قناصين وقصف عشوائي لمنازل السكان الآمنين. مع "لعبة السنونو" و"أذكر بيروت"، إلى عملها الأخير "البيانو الشرقي" (المستوحى من حياة عازف البيانو ومخترع البيانو الشرقي في الخمسينيات عبد الله شاهين)، تنقل حيوات مدينة كانت ولا تزال مناراً ومنطلقاً لثقافة تتطلع دائماً نحو التجديد.

هشام مطر وشكري المبخوت، رغم اختلاف أعمالهما، كانت محور نقاش في المهرجان كونها تعكس بشكل أو آخر الواقع العربي الحالي، المتأزم سياسياً وفكرياً. مطر الذي فاز بجائزة "بِنْ الأدبية الأميركية" عن روايته "العودة" في شهر آذار/ مارس الماضي، تحدّث عن عودته إلى ليبيا للمرة الأولى بعد 33 عاماً في محاولة للبحث عن إجابات لاختفاء والده المفاجئ عام 1990، بينما روى المبخوت عبر مداخلته وحواره مع إليزابيتّا بارتوُلي مرحلة قريبة من تاريخ تونس، مرحلة انتقال "الملكية" من بورقيبة إلى زين العابدين بي علي.

مزيج مجازي للماضي والحاضر في رواية "الطلياني" الحائزة على جائزة البوكر العربية عام 2015، التي تصف جيلاً من الشباب يحلم بالتغيير رغم قمع النظام الاستبدادي. مرآة لأعوام الثمانينيات حيث تعكس بعمق ما حدث ويحدث في أيامنا الحالية على مستوى وطن، بل أوطان باتت مثخنة بالجراح أكثر من أي وقت مضى.

المساهمون