أصدقاء لغتنا: محمد م. الأرناؤوط.. جسر نحو البلقان

أصدقاء لغتنا: محمد م. الأرناؤوط.. جسر نحو البلقان

27 اغسطس 2017
(محمد م. الأرناؤوط)
+ الخط -
 
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. وإذ تستضيف "العربي الجديد" المترجم والكاتب الكوسوفي السوري محمد م. الأرناؤوط، في "أصدقاء لغتنا" كمترجم للأدب العربي إلى اللغة الألبانية؛ لا يفوتها أنه أيضاً من "أهل البيت" وفي طليعة ناقلي ثقافات منطقة البلقان وآدابها إلى قرّاء العربية.


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- ولدتُ في دمشق لعائلة مهاجرة من كوسوفو/ يوغسلافيا، في حي عشوائي ("الديوانية") بُني شمال شارع بغداد، من قبل أولئك الذين هاجروا من يوغسلافيا خلال ثلاثينات القرن الماضي. كان الحي في البداية يشبه "كوسوفو مصغرة"، إلى أن انضم إليه بعض اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب 1948. ونظراً لأن معظم الأسرة بقيت في يوغسلافيا، فقد بقيت العلاقة متواصلة مع كوسوفو، وكان أقاربي يغرونني بالاستقرار هناك. كانت ميولي واضحة منذ الطفولة، اللغة العربية وأدبها والتاريخ، وهو ما دفعني للالتحاق بقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة دمشق، الذي كان يتميّز أيضاً بوجود مواد يقوم بتدريسها أساتذة قسم التاريخ.
أعتبر نفسي من المحظوظين، لأنني درست بشغف على يد مجموعة من أفضل أساتذة اللغة والأدب: بهجت البيطار، ومازن المبارك، وشكري فيصل، وشاكر الفحام، وحسام الخطيب وغيرهم، وفي التاريخ: ليلى الصباغ، ومحمد خير فارس، ونبيه العاقل وعبد الكريم رافق، الذين بقيت معهم على صلة جيدة حتى وفاة معظمهم.
كنت محظوظا أيضا لأنني تابعت أيضا هذا المسار: اللغة والأدب والتاريخ، في دراساتي العليا بـ"جامعة بريشتينا"، فحصلت أولاً على دكتوراة في الأدب المقارن، ثم على دكتوراة في التاريخ. ولأنه افتتح آنذاك أول قسم للاستشراق في الجامعة سنة 1973، فقد التحقت به في 1974، وهو ما شكّل انعطافة مهمة في حياتي وعملي، ومن ذلك اشتغالي بالترجمة.


■ ما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
- عملي في قسم الاستشراق، جاء في وقت كانت في يوغسلافيا ظروف مواتية ومشجّعة على العمل في ترجمة الأدب العربي إلى اللغات المختلفة. كانت يوغسلافيا بحكم دورها في حركة عدم الانحياز، تنفتح على آداب شعوب العالم الثالث، كما أن علاقاتها الخاصة مع الدول العربية، كانت تشجع أكثر على ترجمة الأدب العربي، بينما كان موقفها المؤيد للفلسطينيين يُعطي أولوية لترجمة الشعر الفلسطيني، الذي كان متوهجاً آنذاك بسبب الأوضاع في المنطقة العربية.
بدأت بترجمة قصائد لمعين بسيسو في 1975، بحكم وجود صديق مشترك حمل لي بعض دواوينه، ثم ترجمت في السنوات اللاحقة لتوفيق زياد، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وعبد الوهاب البياتي، ونزار قباني، وأدونيس وغيرهم. هذا ما شجعني في 1979 على إصدار أول مختارات عن الشعر العربي الحديث بالألبانية، مع دراسة عن بدايات هذه الموجة الشعرية الجديدة مع نازك الملائكة والسيّاب وما تعنيه بالنسبة للشعر العربي بشكل عام.
لقي الكتاب قبولاً حسناً، لأنه كان أول مختارات تعرّف بالشعر العربي الحديث وأهم مبدعيه بالألبانية. حتى أنه كان الأول في يوغسلافيا، ولم تصدر قبله إلا مختارات عامة تعرف بالشعر العربي، من امرئ القيس إلى نزار قباني، في بلغراد (1971).
ولا شك أن هذا القبول الذي حظي به الكتاب، شجعني على المزيد، فأصدرت في 1980 مختارات من الشعر الكويتي، بعد زيارة لي إلى الكويت، جمعت فيها ما استطعت من دواوين وتعرفت على شعراء، ثم مختارات من القصة السورية في 1981.
وعلى الصعيد اليوغسلافي، دخلت مع زميلي في القسم أسعد دوراكوفيتش، في إعداد عدة مختارات من الأدب العربي، صدرت عن دار "بغدالا" الصربية، التي كانت مختصة بالتعريف بآداب العالم الثالث خلال ثمانينات القرن الماضي. وعشية انهيار يوغسلافيا، عاد دوراكوفيتش إلى وطنه البوسنة، وأصبح من أهم الدارسين والمترجمين للأدب العربي هناك.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- ارتبط عملي في الترجمة بعملي الأكاديمي. فعندما كنت أعمل في قسم الاستشراق (1974-1987)، كانت ترجماتي كلها في مجال الأدب، وعندما انتقلت للعمل في قسم التاريخ بجامعة اليرموك عام 1989، أصبحت أغلبها في مجال التاريخ، لتغطية موضوعات كنت ألحظ غيابها، وأصبحت الترجمة في مجال الأدب في المرتبة الثانية، حتى تعادلت عندي الكتب المؤلفة والكتب المترجمة. ونظراً لأني أعيش الآن في المنطقة، فقد أصبحت أترجم ما أجده مناسباً من اللغات المختلفة: الألبانية واليوغسلافية والإنكليزية، إلى العربية من أدب وتاريخ. آخر كتاب مترجم إلى العربية صدر لي في مجال الأدب كان "مختارات من الشعر الكوسوفي المعاصر"(عمّان، 2009)، أما في مجال التاريخ فقد كان "من مذكرات ملك ألبانيا أحمد زوغو في مصر 1946-1955" (بيروت، 2015).


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- كانت العقبة الأساسية عدم وجود تراث للترجمة بين العربية والألبانية، وعدم وجود قاموس عربي - ألباني، أو قاموس ألباني - عربي. كان كل واحدٍ منا قاموساً حيّاً أو قاموس نفسه. كانت البداية صعبة لي ولغيري، ثم بدأت تهون مع الممارسة. العقبة الأخرى كانت في ترجمة الشعر العربي الحديث: أدونيس وغيره، إذ إن ترجمة هذا الشعر، تحتاج إلى معرفة الخلفيّة الإبداعية والثقافية أو الكون الشعري للشاعر. كان يساعد على ذلك معرفتي ببعض الشعراء، مثل البياتي وغيره بطبيعة الحال.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي، وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- في البداية، مع افتتاح أقسام الاستشراق في بلغراد وسراييفو وبريشتينا، كان الاهتمام ينصب على ترجمة الأدب العربي، قديمه حديثه، وهو الذي كان شبه مجهول، كما يلبي الحاجات العملية لطلاب أقسام الاستشراق، والاهتمام المتزايد بالأدب العربي في يوغسلافيا التيتوية. ولكن بعد ذلك برزت ترجمات تركز على النتاج الفلسفي، كأعمال ابن رشد وابن خلدون وغيرها. وللأسف انقطع هذا مع انهيار يوغسلافيا وقدوم الكثير من الجماعات الإسلامية، التي ركزت على ترجمة المؤلفات الدينية المروّجة للسلفية المتشددة، التي لم تكن موجودة في مجتمعاتنا. ونأمل الآن مع انحسار هذه الجماعات، أن يعود الوضع إلى طبيعته، وأن تتم ترجمة أعمال المفكرين العرب الحداثيين، لكسر الصورة النمطية عن العرب التي نشرتها تلك الجماعات في العقدين الأخيرين.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد، وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- بالطبع كان هناك تعاون مع بعض المؤسسات، كسلسلة عالم المعرفة وسلسلة عالم المسرح في الكويت، ومركز الترجمة في "منتدى العلاقات العربية والدولية" في الدوحة، وغيرها. وكذلك الأفراد الذي يملكون ويديرون دور نشر محترمة، مثل إلياس فركوح (دار أزمنة - عمان)، وسالم الزريقاني (دار المدار - بيروت)، وعماد عبد الحميد (دار جداول - بيروت) وغيرهم. لكن الواقع المأمول هو أعلى من ذلك بكثير، إذ أن الترجمة الآن تلعب دوراً مهمّاً في المُثاقفة وتعزيز العلاقات بين الشعوب، ويمكن أن نتطلع لواقع أفضل من خلال بعض الجوائز الجديدة، مثل "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي"، التي تقدم جوائز مجزية للمترجمين من اللغات الأخرى غير الإنكليزية، مما يساعدهم على المضي في مشاريعهم الترجمية، لأن العمل في الترجمة في دول يوغسلافيا السابقة، لم يعد مجدياً كما في السابق بسبب تقلّبات المنطقة.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي، ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- على الرغم من الصورة القاتمة في السنوات الأخيرة عن العالم العربي، فإن الأدب العربي يعرف ازدهاراً متواصلاً، خاصة في مجال الرواية. ومن هنا أرى أنه من المهم العمل على ترجمة الروايات الجديدة، خاصة للروائيات العربيات، اللائي أوصلن الأدب العربي إلى مستوى عال، وبترجمتها تُكسر الصورة النمطية عن العرب، التي ترتبط بالتخلف والتطرف ورفض الحداثة والصدام مع الغرب.


بطاقة: محمد موفاكو، أو محمد م. الأرناؤوط كما هو معروف عربياً منذ 1990، ولد في دمشق عام 1952 لأسرة مهاجرة من كوسوفو. ودرس اللغة العربية وآدابها في "جامعة دمشق"، قبل أن يتمم دراسته في يوغسلافيا ويحصل على درجتي دكتوراه في "الأدب المقارن" و"التاريخ".
عمل أستاذاً في قسم الاستشراق بـ"جامعة بريشتنا" في إقليم كوسوفا بيوغسلافيا السابقة، قبل أن يعود إلى المنطقة العربية، أستاذاً في "جامعة اليرموك"، ثم مديراً مديراً لـ"معهد بيت الحكمة" وأستاذاً في "جامعة آل البيت"، وأخيراً في "جامعة العلوم العالمية الإسلامية" في الأردن.
تخصّص الأرناؤوط في تاريخ وآداب شعوب منطقة البلقان، وألف في ذلك كتباً كثيرة. كما عمل على نقل الآداب العربية إلى اللغة الألبانية، ونقل مختارات ألبانية إلى العربية أيضاً.
من كتبه: "الثقافة الألبانية في الأبجدية العربية" (1983)، "تاريخ بلغراد الإسلامية" (1987)، "ملامح عربية إسلامية في الأدب الألباني" (1990)، "مراجعة الاستشراق: ثنائية الذات/الآخر- نموذج يوغسلافيا" (2002)، "كوسوفو: تجليات ثقافية ما بين الشرق والغرب" (2009)، "البلقان من الشرق إلى الاستشراق" (2014).
ومن بين ما له في الترجمة من العربية إلى الألبانية: "أنطولوجيا الشعر العربي" (1979)، و"مختارات من القصص السورية" (1984). ومن الألبانية إلى العربية: "مختارات من الشعر الألباني" (1981)، و"مذكرات ملك ألبانيا أحمد زوغو في مصر" (2015).

 
 

دلالات

المساهمون