"المكان لفن الحاضر": زوارقُ موتٍ من ورق

"المكان لفن الحاضر": زوارقُ موتٍ من ورق

24 اغسطس 2017
(من أعمال ورشة الأوريغامي، تصوير: حسين مصدّق)
+ الخط -

قد يصحّ القول بأن قضايا أخرى قد أخذت ذلك الموقع الرئيسي التي كانت تحظى به مسألة الهجرة السرّية في البحر الأبيض المتوسط بسبب ما كانت تضخّه وسائل الإعلام (في سنوات 2014 و2015 بالخصوص) من صور مأساوية. هذا الابتعاد الإعلامي قد يفتح المجال إلى أشكال متابعة أخرى، مثل المسرح والسينما، وكذلك الفنّ التشكيلي بمختلف أنماطه ومحامله.

في مدينة جرجيس الساحلية في الجنوب التونسي، تتواصل حتى نهاية آب/ أغسطس الجاري فعاليات الدورة الثالثة من "لقاء المكان الدولي لفن الحاضر"، والتي انطلقت في 20 من الشهر الجاري بمشاركة خمسين 50 فناناً تشكيلياً تعرض أعمالهم على مدى أيام التظاهرة، بالإضافة إلى مشاركاتهم في فعاليات مختلفة، مثل الورش واللقاءات الحوارية وتقديم شهادات حول مساراتهم الفنية. نِصف هؤلاء المشاركين هم من تونس، أما البقية فمن المغرب والجزائر والسودان وفلسطين والعراق وفرنسا واسبانيا وانكلترا والأرجنتين.

تقوم فكرة التظاهرة على تفاعل الفنانين مع المكان، ليس فقط على المستوى البصري وإنما أيضاً بالغوص في جوانب أخرى منه؛ اجتماعية وتاريخية وسياسية للمدينة التي تحتضن الدورة، وهي تنظّم في كل سنة في مدينة تونسية مختلفة.

وباعتبار أن جرجيس كانت لسنوات قريبة نقطة عبور أساسية بين شمال أفريقيا وأوروبا ضمن ظاهرة "الهجرة السرية"، فإن هذا الملمح هيمن إلى حدّ كبير على برنامج الدورة الجديدة، فمثلاً تتناول الندوة الرئيسية للتظاهرة ظاهرة "الحرقة" (التسمية الشعبية لـ "الهجرة السرّية) وارتباطها بشبكات الفساد، علماً أن هذه الدورة تقام بالشراكة مع "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" في تونس مثلما كان الحال مع العديد من المهرجانات الأخرى، وهو خيار يأتي مع سياقات احتجاجية تشهدها تونس في الشهور الأخير بسبب مشاريع قوانين مكافحة الفساد التي تعرض على البرلمان، وتجد الكثير من الانتقادات الشعبية.

"الهجرة السرية" هي أيضاً موضوع ضمني لورشة تمتدّ على كامل أيام التظاهرة حول "الأوريغامي"، أي فن طي الورق الياباني، والذي وإن تعدّدت استخداماته يظلّ أحد أبرز مخرجاته هو تركيب الزوارق الورقية في إحالة إلى الوسائل التي يعتمدها المهاجرون السرّيون وهشاشتها. الأعمال التي سيجري إنجازها خلال المعرض سوف تُعرض في نهاية التظاهرة في عمل تنصيبي موحّد على شاطئ المدينة.

خيار احتضان جرجيس كفضاء للدورة الحالية، وإن أمدّ المشاركين والمنظّمين بالكثير من المواضيع التي يمكن التعامل معها على المستوى الإبداعي وبلورتها في أعمال فنية، فإنه أيضاً قد وضع التظاهرة بعيداً عن الضوء، إذ تحتكر العاصمة في هذه الفترة من العام وبعض المدن الكبيرة الاهتمام الإعلامي بسبب مهرجاناتها الكبيرة و"نجومية" ضيوفها. ربما تكون تلك إحدى النقاط التي ينبغي الالتفات إليها في واقع مدينة تقع في جنوب تونس.

المساهمون