هموم شعرية: مع هاتف جنابي

هموم شعرية: مع هاتف جنابي

21 اغسطس 2017
(هاتف جنابي في وارسو، 2017)
+ الخط -
تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "الناشر المحترم باللغة العربية عملة نادرة"، يقول الشاعر العراقي هاتف جنابي في حديثه إلى "العربي الجديد"

■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
الشاعر العربي المقروء اليوم هو واحد من اثنين: شاعر ميت معترف به يلجأ إليه قرّاء العربية هرباً من واقعهم الملتبس والكئيب، أو شخص يجيد الدعاية لنفسه وتقف وراءه مؤسسات وفضائيات وهو بالنسبة إليّ يقف خارج مدار الفعل الإبداعي. أنا من صنف ثالث يدّعي أن هناك من يتابعه ويتسقّط أخباره حتى وإن كان ذلك خفية! أراني أقبع في مختبر الشعر. وعليه فأنا لستُ بطلاً ولا شاعراً جماهيرياً ولا أريد أن أكونه.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
لا يوجد لديّ ناشر عربي محدّد، ولو عثرت على ناشر حريص مثقف ومحترف وغير جشع، لكنتُ في وضع آخر. الناشر المحترم باللغة العربية عملة نادرة، لأن الغلبة هي للتّبن. النشر في بلدان العالم هو رسالة واحتراف ومسؤولية أخلاقية وثقافية وحضارية قبل أن يكون عملية ربح أو خسارة. الناشر الذي أبحث عنه هو من يبحث عنّي (وأمثالي) بطاقاتي المتنوعة المتعددة اللامحدودة.


■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
نعيش في أيامنا الراهنة وضعاً مختلفاً عمّا كان حتى أواخر الثمانينات من القرن المنصرم. كانت هناك مجلات متخصّصة وصحف ذات ملاحق ثقافية ساهمت بقسط في صناعة المؤلف والكتاب. اليوم هناك سطوة للإنترنت، وتحوّل قسم من المجلات والصحف إلى إلكترونية وهذا أمر طبيعي. النشر ضروري على أية حال، سواء أكان ورقياً أم إنترنتياً، شخصياً ما زلتُ أميل إلى الشكل الأول، رغم أنني بالمجمل مقلّ في النشر، مكثر في القراءة والتأمل فالكتابة.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
شخصياً، أميل إلى إعادة نشر بعض ما سبق وأنْ نشرته (ورقياً على الأغلب هنا وهناك) في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، لإيصاله إلى أكبر قدر من المتابعين. لا أدري، هل هناك تأثير لي على زملائي، لكنني أجزم أنهم لم يؤثّروا بي بالصورة التي يمكنني القبض عليها. عوّدتُ نفسي منذ أكثر من أربعين سنة على القراءة الكثيفة والمحو المتواصل. في الكتابة يمكن أن يقع الحافر على الحافر كما يقول القدامى، وهذا أمرٌ قد يكون لا مهرب منه مائة بالمائة في حياة الكاتب المعاصر. لا يمكنني التفاخر بمتابعة حقيقية لما يُكتب بالعربية، لأسباب كثيرة، ومنها خارجة عن إرادتي بحكم المنفى وشحّ الوقت، ولربما بعضها يعود إلى قلّة حيلتي في هذا المجال.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
هو شخص فدائيّ؛ كائنٌ يهرب من واقع عربي مَهول، من تسطيحية وانهزامية وتدليس، كائن يبحث عما من شأنه أنْ يَجبر الخاطرَ ويُعيد التوازن إلى النفس المغدورة الكليمة الممزقة. للشعر والفن سطوة في هذا المجال قد لا تتوفر في الحقول الأخرى.


■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
إلى حدّ ما يمكنني أن أوقّع تحت هذا الرأي، خاصة إذا كان الشعر والمترجِم ذَوَي مستويين. الأسباب عديدة، باعتقادي، قد يكون البعض منها ناجماً عن البحث عن تجارب فنية وإنسانية أخرى، وربما بسبب التسطيح الطافح على جسد الثقافة العربية، والكتابات الشعرية الهابطة لها حصة ملموسة من هذا الانحدار، وربما بسبب حالة اليأس والقنوط والخذلان السائدة في البلدان العربية، وقد تكون هذه الأسباب وسواها مجتمعة.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
لنبدأ من الشقّ الثاني من السؤال. وفرةُ التسطيح والترهّل، فقر الإلمام بأصول الكتابة، الجهل بأصول اللغة وقواعدها، ابتعاد النص الشعري عن الكثافة والفكرة، ثم الافتقاد إلى المشروع الشعري الشخصي، هي من بين نقاط الضعف. مقابل ذلك، هناك تجارب شعرية عميقة تتسم بخصوصية من قبيل التفرّد بموضوعها، وطرافة ونداوة لغتها وتقنيتها وشكلها وجهدها، فتحسّ أن صاحبها ذو مقدرة ومشروع في الكتابة. من بين أهم سمات هكذا تجارب، هو عدم انشغالها بالفذلكة الشعرية؛ بأسلبة القصيدة، ثمة ابتعادها عن القنوط والقناعة، والتفاتها أيضا إلى البحث (عن موضوع أو شيء خارج نطاق الأدب المحض) لأنّ كلّ نص شعري خارج عن نبض وقيم زمننا، لا أهميةَ له بحدّ ذاته. توجد هكذا تجارب شعرية بالعربية منفتحة على الآخر محترمة لنفسها، تنطلق من واقعها، مستشرفة الآتي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. وعليه فهذه هي بعض إيجابيات وسمات الشعر العربي المعاصر في جانبه الإيجابي الواعد.


■ شاعر عربي تعتقد أنّ من المهم استعادته الآن؟
الشاعر الحقيقي حيّاً كان أم راحلاً يستحق أن يكون حاضراً بيننا، من خلال إعادة طبع أعماله ونشرها والاحتفاء به بين الفينة والأخرى، وهناك كوكبة ممّن تنطبق عليهم هذه السمات. الشاعر المبدع كنز ثقافي ووطني وإنساني. كائن وديع مسالم، ومهما علا صوته أو قستْ نبرة كلامه أحياناً، إلا أنه في النهاية مخلوق استثنائي نافع، ولا يمكن تصوّر الأدب والثقافة والعالم بدون الشعراء.


■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟
كثيراً من الصحة والجدّية، وطول العمر! وبجدية أكثر أتمنى أن يأخذ الشعر العربي حقه بالتعريف والطبع والنشر، لأنه ثروة فنية وأدبية وروحية بإمكانها أن تساهم بفاعلية في عملية إعادة التوازن الداخلي للفرد في مجتمعات عربية تعاني من الانكسار والخراب والتهشيم النفسي على كافة الأصعدة.

جسر بين وارسو وبغداد
درس الشاعر العراقي هاتف جنابي (1951) بين مدينتين: بغداد ووارسو في سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يستقرّ في الأخيرة ويدرّس في جامعة وارسو، ويقدّم إلى قارئ العربية أبرز وجوه الشعر البولندي: فيسوافا شيمبورسكا، وتادئوش روزيفيتش، وجيسواف ميووش، وزيغمونت كوموروفسكي وغيرهم. إلى جانب لعبه دوراً أساسياً في العلاقة بين الثقافتين العربية والبولندية. 

صدرت لـ جنابي 16 مجموعة شعرية بين العربية البولندية، هي: "كتاب الشرق" (مترجم إلى البولندية 1983)، "أشعار محطمة" (مترجمة إلى البولندية 1987)، "القارات المتوحشة" (بولندي–عربي 1991) "غبار الغزال" (بولندي- عربي 1992)، "ملائكة الرحمة" (1995). "بابل تبحث عن بابل" (مختارات 1998) "فراديس أيائل وعساكر" (أربعة دواوين شعرية في واحد، ومقالة عن الإيقاع (1998)"مراسيم الأرض والسماء"، (بالبولندية 2009)، "رغبة بين غيمتين"، (2009) "موعد مع شفرة السكين" (2012)، "إذا دخلتَ بيتنا فستقبل قدميك العتبة" (2014) "وليمة الأسماك" (2017)، والطريق الملكي" (بولندي–عربي2017). هذا إلى جانب كتابي مختارات شعرية صدرا له مترجمين في كل من الفرنسية (2007) والإنكليزية (1996).

المساهمون