نيكاراغوا.. حكاية شعراء وثورة

نيكاراغوا.. حكاية شعراء وثورة

24 يوليو 2017
(روبن داريو، بورتريه لـ برونو بورتوغيز)
+ الخط -

قبل أن تكون السيدة الأولى، عُرفت روساريو موريّو كشاعرة وصحافية قبل نضالها ضد الديكتاتور أناستاسيو سوموسا الذي حكمت عائلته نيكاراغوا لأكثر من ثلاثين عاماً. وكانت آغيلار قد انضمّت في شبابها للثورة الساندينية التي صادف يوم 19 من الشهر الجاري ذكرى انتصارها الـ38.

تلك ثورة تميّزت بحسّها الشاعري، لم يقدها فلاسفة ولا مفكّرون. وإن انضم إليها الفلاحون والعمال والمثقفون والأكاديميون، إلا أن الشعراء كانوا من أبرز أقطابها، ذلك أن الشاعر في تلك البلاد لم يكن بعيداً يوماً عما حوله، ولم يكن وحي الشعر يتردد عليه من السماء، بل من الأرض.. من التراب.

كان الكاتب والروائي سيرخيو راميرس قد لفت النظر إلى هذا التشابك بين الثورة والشعر في نيكاراغوا، أما الشاعر التشيلي خافيير كامبوس فقد أشار إلى أن هذا التشابك بين الثورة والشعر لم يكن في كل دول أميركا اللاتينية كما كان عليه في نيكاراغوا.

كان أوغستو سيسر ساندينو (1895- 1934)، الأب الروحي للثورة الساندينية وأيقونة نضالها، قد ترك قصيدة يتيمة، وبغضّ النظر عن قيمتها الفنية، فهي تبيّن كيف أن للشعر أن يكون وسيلة الاتصال بالنسبة لقائد عسكري.. (برزانةٍ، طالبوا بحقوقكم، طالبوا بالشرف وبالحرية، فالوطن لا يرغب بمزيد من الأيتام.. حاربوا بشجاعة، أيها الأسود، لأجل الشرف، ولأن الوطن لا يحب العبيد، وإلا فالموت أفضل)، فضلاً عن رسائله وخطاباته التي كتبها في أرض المعركة والتي تظهر بها لغة عاطفية شعرية.

وفي 21 أيلول/ سبتمبر 1956، تمكّن الشاعر والموسيقي النيكاراغوي ريغوبيرتو لوبيس بيريس من التسلّل إلى حفل انتخابي مفبرك رشح خلاله الديكتاتور أناستاسيو سوموسا غارسيا، لولايةٍ ثانية في كاسا دل أوبريرو بمدينة ليون التّاريخيّة.. كان الشّاعر الذي ارتدى قميصاً أبيض وسروالاً أزرق هما لونا العلم النيكاراغوي، يطلق نحوه خمس طلقات أردته صريعاً.

واليوم، ووسط أحد شوارع العاصمة مناغوا، نصب النيكاراغويون له تمثالاً وخلّده راميرس نفسه في روايته "مارغاريتا، كم هو جميل البحر"، والتي تحمل عنوان قصيدة للشاعر النيكاراغوي روبن داريو، وقد عقد راميرس مقارنة بين نهاية كل من داريو ولوبيس، إذ بعد موت داريو، تمكن أحد الأطباء من سرقة دماغه بهدف تشريحه ومعرفة سبب عبقريته، في حين اقتلع الحرس الوطني خصيتي لوبيس بعد مقتله للحط من رجولته، كما يحلو للمستبدّين التصوّر.

وفي عمر الـ21، اغتيل الشاعر النيكاراغوي ليونيل ريغوما على أيدي الحرس الوطني، وكان قد انضم للجبهة الساندينية عام 1967. وفي عام 1970، حاصر جنود الحرس الوطني المدجج بالأسلحة المنزل الذي كان يجتمع فيه ريغوما مع مجموعة من شباب السناندينيستا، وحين طلب الحرس الوطني منهم الاستسلام، رد عليه ريغوما بعبارة تحوّلت لمثل في نيكاراغوا.. "لتستسلم أمك"، ولم ينج من المجموعة أحد.

أبعد من ذلك، فإن مؤسس الجبهة الساندينية للتحرّر القومي، كارلوس فونسيكا أماذور (1936-1976)، كان شاعراً وأكاديمياً متخصّصاً بشعر روبن داريو. ومن الشعراء المعاصرين الذين انضموا للجبهة الساندينية الشاعرة سعاد مرقص فريج، وهي من أصل فلسطيني.

كما كان الشاعر إرنستو كاردينال من أبرز المنتمين للجبهة الساندينية والمناضلين ضد سوموسا، وقد أصبح وزيراً للثقافة عقب انتصار الساندينيستا في حقبة الثمانينيات، إلا أن خلافاً عميقاً تجذر بينه وبين الحكومة الحالية ممثلة برئيسها دانييل أورتيغا، وقد اتهمه كاردينال في أكثر من تصريح للصحافة بأنه خان الثورة.

أما الروائي سيرخيو راميرس، فقد كان نائب الرئيس الحالي بين عامي 1986 حتى 1990، قبل أن يؤسس حزباً مجدِّداً للثورة يسبق اعتزاله الحياة السياسية وانكبابه على الكتابة.


* مترجمة وصحافية فلسطينية أردنية مقيمة في نيكاراغوا

المساهمون